عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
ردم الانقسام ومعالجة اثارة لا تقل في اهميتها عن ازالة الاحتلال، لأن في شرط ازاله الاحتلال موضوعيا ان لا يكون هناك انقسام في الصف الفلسطيني، فالوحدة الوطنية الفلسطينية هي الرافعة في تمكين الفلسطينيين من بلوغ دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني وتحسين شروط تفاوضهم القادم الجاد من اجل الدولة..
طويت صفحة جديدة في القاهرة أمس لتفتح اخرى لاحقة بعد شهر، ومازال الجسم الفلسطيني الذي صرفت روشيتة دوائه في مراسيم الرئاسة الاخيرة التي أصدرها ابو مازن يتلقى كورس العلاج حيث تتحسن الحالة الان وتبددو مظاهر التحسن في ابعادها الاقليمية العربية والمحلية الفلسطينية والدولية..
ففي البعد العربي ، كفت الى حد كبير الاصابع التي تحرك الدمى عن ممارسة دورها دون ان تنهيه الا اذا تجاوزه الفلسطينيون تماما.. كما بدأ معبر رفح يفتح باتجاهين ليكتشف مغلقوه ان الذين اغلق عليهم ليسوا ارهابيين ولا ينقلون العدوى لغيرهم خلف السياج..
وعلى المستوى الدولى رحبت اوروبا من خلال اتحادها ورفعت صوتها الذي لم نكن نسمعه بوضوح، وقت غابت عنه الحشرجة منذ وصول الرئيس الامريكي بايدن الى البيت الابيض بتقديم قطع من السكر الفضي لتسليك المواقف التي صادرها ترامب وشتتها ووزع دمها على القبائل..
يبدأ أمل حل الدولتين بالظهور مرة اخرى بعد الكسوف الكامل الذي حال دون رؤية الحل، عندما رمى ترامب القضية بصفعة القرن وراح يرسم فوق الماكيت الاسرائيلي ويردد مزامير نتنياهو دون ان يدخل على النوتة اي اضافة..
وعلى المستوى الفلسطيني لم تبق ضرورات لحجز حرية التعبير او حتى حرية بعض الافراد المعارضين او المخالفين طالما اصبح كل القمح يذهب الى نفس الرحى لتشكيل خبز حكومة وحدة وطنية تعود حماس اليها في موقع رئيس الحكومة في حين يجد الفلسطينيون انفسهم وقد استانسوا رئاسة الرئيس ابو مازن الذي سيدرك كثير من الفلسطينيين فضله لاحقا، حين يجدون ان قضيتهم التي وضعت لأربع سنوات في معاصر التصفية ما زالت حيّة، ومازال الرئيس يفديها ويدافع عنها ويتحمل اقسى درجات الصبر و عض الاصابع ليخرج بها حيّة!!
اذن هناك أمل قدمته القاهرة التي احتضنت ورعت ومكنت وانفردت بذلك عن بقية العرب، فالقاهرة كانت وما زالت لا يهون عليها الدم الفلسطيني والكفاح الفلسطيني والحقوق الفلسطينية مهما جاملت قوى دولية او حتى عربية طائشة ومستعجلة.. القاهرة هي القاهرة التي انزلت القضية الفلسطينية منزلتها المهمة لمصر ومجالها الحيوي منذ الهكسوس وحتى جمال حمدان والتي رأى فيها عبد الناصر شرعية قيادته العربية بعد ان غادر خنادق الفالوجة المحاصرة عام 1948، وبعد ان قاتلت مصر من اجل نفسها ومن اجل فلسطين، فقد اعطاها اللواء جبريل الرجوب على ذلك من الثناء ما تستحقه…
نعم لا نملك إلّا التفاؤل وعلينا ان نفرك عيوننا هذا الصباح، فقد قرأنا ورأينا حديث التفاؤل يتدفق في الفضائيات، وها هو اللواء جبريل الرجوب الذي قال له الرئيس ابو مازن: “ارسل حكيما ولا توصه” يعرب جملة معالجة الانقسام وبناء مناعة الجسم الوطني ليكون مؤهلاً لخوض الانتخابات المتتالية في نسخها الثلاث التشريعي والوطني والرئاسي..
هذه المرة لم يغادر المتحاورون “جبل احد” للبحث عن الغنائم، ولذا لن يستطيع عدوهم ان يفاجئهم، فقد جاءوا كما قبل بحسن النوايا وقد توفرت لهم الارادة ايضا..
نعم شعبنا من خلال قيادته امام استحقاقات محددة ولا خيارات اخرى يمكن الهروب إليها حين يكون جرح الانقسام نازفا وغائرا…
نعم لقد التقط الرئيس التاريخي ابو مازن اللحظة المناسبة واستفاد من تبدل الحرس الامريكي ومن ارتفاع اللهجة الأوروبية، ومن خوف بعض دول الإقليم من استمرار التماهي في سياسات ترامب المخلوع، وتوقفهم لسماع ملاحظات الديمقراطيين الجدد في الولايات المتحدة..
ولعل أبرز مظاهر خوف بعض دول الإقليم هو ان تكف في التدفق الى مغارة التطبيع التي حددها لهم نتنياهو، إذ ان بداية صحوة عربية قد تبدأ الان بعد ارتطام الرأس العربية بسقوط ترامب.. فها هو التلويح بالصحراء المغربية يعود الى ما كان عليه الأمر زمن “بيكر” وزير الخارجية الامريكي في التسعينات، ولم تصل هدية ترامب للمغرب والتي اراد ان يقدمها الاسرائيليون… وكذلك نفس اللعبة السمجة مع السودان الذي خزق اذنيه و جلس ينتظر كرم ترامب برفع قيد الارهاب عنه، وعده بمكافأة شطب الديون، وكل ذلك إنتهى فجأة وتلاشى كفقاعة الصابون..
الفلسطينيون الذين عضّهم الزمن بنابه وتمرسوا التجربة وادركوا ان الوصول الى امانيهم وسط الالغام الدولية والزحام ليس سهلا، ولذا اجترحوا كل انواع الدهاء والوعي لتمرير مراسيم ابو مازن وزرعها لتثمر وحدة وطنية يتطلعون لها لتحمي مشروعهم الوطني الذي ظلوا يعبرون عنه من خلال منظمة التحرير الفلسطينية الوطن المؤقت والخيمة التي يستظلون بها في زمن الكفاح لنيل دولتهم..
يعود الوفد الفلسطيني أمس وقد تحدثت مع ابرز قياداته مع اللواء جبريل الرجوب ليلا وقبل الوصول الى عمان في طريقه الى رام الله، حيث يطالع الرئيس ابو مازن الاتفاق وتحولاته على فنجان قهوة والسيجارة الاولى صباح أمس الخميس.. ويوقع على استئناف العمل الشهر القادم..
الوجوه التي رأيتها حول الطاولة في القاهرة مجتمعة من عموم الفصائل وحتى حماس والجهاد والمستقلين لم نرها منذ عقود من الزمن مجتمعة على مائدة واحدة ولهدف محدد، بل كنا نراها متفرقة على محاور شتى من عواصم شتى لا تنتظمها مصلحةواحدة..
الفلسطينيون يذهبون الان الى الأمام وسط اقليم مرهق بالصراعات، و سياسة امريكية ادركت ان الركض خلف اسرائيل سيورثها المزيد من المآسي التي عبرت عن نفسها في انشقاقات داخلية حين لم يستجب الامريكيون الى تحذير مؤسس الولايات المتحدة من اليهود… ويؤمن بايدن الذي سيواصل حماية اسرائيل ان اسرائيل يجب ان تمشي خلف الولايات المتحدة و ليس امامها.. فهل هذه فرصة فلسطينية جديدة يهتبلها ابو مازن وهو ما زال يقود المرحلة، وسيجمع عليه الفلسطينيون مجدداً لأنه صاحب مشروع إعادة وحدتهم و قاسمهم المشترك الذي سيعبر بهم الى الدولة التي باتت قريبة…!!