عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
شأن الأغلبية العظمى من الصحفيين والكُتاب عانى خالد الزبيدي شظف الحياة وتقلباتها وسطوة السلطة والمتنفذين من اصحاب المصالح والمال الذين يفرغون رغباتهم وإراداتهم المجحفة في القرارات اليومية التي يتغذى عليها الناس …
عرفته قبل حوالي ثلاثين سنة، جاء حائراً يبحث عن مكان يمكنه من التعبير عن مهنيته التي استقاها تعليما في العراق وممارسة في الكويت، وقد حط في عمان وعمل في اكثر من صحيفة كـ”الأسواق” التي ورثت جريدة “صوت الشعب” و كذلك جريدة “الدستور” التي امضى فيها معظم سنين حياته المهنية صحفيا ومحللا اقتصاديا ورئيس قسم للاقتصاد و مديرا للتحرير، وقد كان رأيه مهما ويؤخذ به، وقد نقل رأيه الى الشاشات المحلية والفضائية وأفتى في الاقتصاد اليومي المعيشي بما علم، وكانت بعض فتاويه قد سببت له مشاكل قاسية استهدفت خبزه ووظيفته ..
ولعل ما قاله عن اسعار النفط وتقلبات بيعه في السوق وما اصاب الاردنيين من اعراض وكانت اراء خالد الزبيدي قد اثارت الجهات الرسمية ومواقع مسؤولين ظلوا يقدمون ارقاما واراء مختلفة ويبيعونها كحقائق يرفضون نقضها، وحين نقضها الزبيدي من واقع معرفته ومتابعته قامت علية الدنيا ولم تقعد، وقد جيء به “مخفورا ليلحس البشعة” ويعتذر ويتوب ويقسم ان لا يعود الى المعرفة أو الوعي بالأشياء…
ولكن جنين الصحافة الكامن في صدره بقي حيّا ويتحرك الى ان اتيح له مرة اخرى ان يقول، لكنه ظل خائفا منزوع الدسم ولم يكن سقف حرية التعبير الهابط يسمح له بالمرور في الصحيفة التي يكتب فيها ولم يعاود الظهور على الشاشة او في البرامج التلفزيونية…
كان خالد الزبيدي من النوع الهادئ ولم يكن ثوريا او انقلابيا في مواقفه او تحريضيا، وقد استعان به الكابتن محمد الخشمان مستشارا عنده وكان يحبه ويساعده ويمكنه من تقديم رأيه في مكتبه وعلى الشاشة التي يملكها….
كان بالكاد يتدبر اموره الحياتية شأن الغالبية العظمى منا نحن الصحفيين الذين أصبح معظمهم الآن نتاج افلاس الصحف الورقية بلا تأمين صحي دون أن تتحرك الجهات الرسمية لحل مثل هذه الاشكاليات، بدل أن تبقى تصب المال في الصحف هكذا بدون دراسة جدوى ومن اجل أن تكون حريصة على تعيين رئيس تحرير تريده او رئيس مجلس ادارة محسوب على احد مراكز القوى…
مات الزبيدي فقيرا وهناك خلفه طابور من الصحفيين الذين لم يقبضوا رواتبهم منذ اشهر، وبدل ان تخلي الحكومة سبيل الصحف الورقية ببيعها وخصخصتها بالكامل ما زالت تعالج الفالج وتصب مالا لشراء الورق والأحبار، ومازالت قضايا الفساد في بعض الصحف قضايا عالقة دون بت نهائي…
نفتقد اليوم واحد من اكثر الصحفيين احساسا بكرامة الصحفي وأكثرهم جرأة في قول الحق والتمتع بالمعرفة، يمضي الزبيدي بهدوء تاركا اسرة احبته واشفقت عليه وهو يعمل ليل نهار ليحصل شيئا لها، يمضي وهو يترك خلفه ديوناً واقساطاً ومراجعين يطالبونه… مات الزبيدي وهو يجتر الذكريات في العراق والكويت حين كان يتمتع بشبكة علاقات ناجزة قدرت عمله وأحبته…
كان يشكو لي قبل نهاية كل شهر كيف يتدبر اموره، وكان يشير الى صدره الذي اعتلاه بطارية تشغل القلب، وكثيرا ما كانت تتعثر وتسبب له الالم ، لكن الزبيدي كان شجاعا لا يخاف الموت ولكنه كان يخاف الحاجة الملحة حين يعتليه الدين..
رحم الله زميلنا خالد الزبيدي وكل العزاء لأسرته…لزوجته وأبنائه وإخوانه ولزملائه الصحفيين وزميلاته في الدستور وفي كل المواقع التي عمل فيها لسنوات طويلة و لساعات عديدة، كلها لم تمسح فقره ولم تضمن له دخلا مريحا.. وحين وجد الزبيدي ان الزمن لا يتطور باتجاه تحسين اوضاعه وزملائه استأذنهم امس رحل!!!