وأخيرا، جاء المرسوم الرئاسي الفلسطيني المتعلق بإجراء الانتخابات العامة في فلسطين للمجلس التشريعي، والرئاسة، وصولا لمجلس وطني فلسطيني جديد، ترجمة للجهود التي بُذلت على طريق إنهاء الانقسام الداخلي في فلسطين من قبل الأطراف الفلسطينية المعنية، وبجهود بعض الدول الإقليمية التي لها تأثير وعلاقات طيبة مع بعض الأطراف في المعادلة الفلسطينية.
فالانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني، تطور إيجابي لتجديد المؤسسات وضخ دماء جديدة، جاءت كخطوة مهمة باتجاه تحقيق الوحدة الفلسطينية، ويمكن لها أن تُشكّل مدخلا لإنهاء الانقسام عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات. فهي اختراق بعد جمود طويل في المشهد السياسي الفلسطيني الداخلي. ولكن إن إنجاز الانتخابات بتتابعها، لا يعني نهاية الانقسام تماما، بل يحتاج لجهود إضافية فإنجاز الانتخابات مدخل لإنهاء الانقسام كما أسلفنا، وبداية لعمل شاق لحل كل نقاط الخلاف بين الطرفين الرئيسيين في المعادلة الفلسطينية، ونعني حركتي فتح وحماس.
إذًا، الانتخابات التشريعية والرئاسية طال استحقاقها وتأخرت عدة سنوات عن موعدها المقرر نتيجة الإشكاليات بين حركتي فتح وحماس، واستمر معها الانقسام الداخلي منذ صيف العام 2007. لكن أوانها بات على الأبواب مع إلحاح المجتمع الدولي، وخصوصا الدول المانحة لتجديد الشرعيات الفلسطينية.
الانتخابات جرت سابقا، وحتى الآن لمرتين اثنتين منذ قيام السلطة الفلسطينية، انتخابات تشريعية، وانتخابات رئاسية: المرة الأولى عام 1996، وشاركت بها بعض القوى فقط، من فصائل المنظمة وهي: حركة فتح ـ جبهة النضال الشعبي الفلسطيني (سمير غوشة) ـ جبهة التحرير العربية ـ الجبهة العربية الفلسطينية ـ جبهة التحرير الفلسطينية (أبو العباس) ـ حزب الشعب الفلسطيني ـ حزب فدا (صالح رأفت) ـ حركة المبادرة (مصطفى البرغوثي) ـ ومستقلين. وقاطعتها باقي القوى. ففازت حركة فتح بأكثرية المقاعد من أصل 88 مقعدا هي عدد مقاعد المجلس التشريعي في ذلك الوقت. لكن عدد المقاعد تم تعديلها لتصبح 132 في الانتخابات الثانية. بينما فاز المرحوم ياسر عرفات في الانتخابات المرافقة للانتخابات التشريعية الأولى في حينها كرئيس للسلطة، في وجه المنافسة له المرحومة سميحة سلامة خيل. على أساس اشتراط حصول المرشح الفائز على أغلبية الأصوات (أكثر من 50%)، لذلك إذا لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة للأصوات يتم اللجوء إلى جولة ثانية بين المرشحَين الحاصلين على أعلى الأصوات، وهنا يفوز المرشح الحاصل على أغلبية أصوات الجولة الثانية.
المرة الثانية، وجرت الانتخابات التشريعية والرئاسية للمرة الثانية بعد رحيل المرحوم ياسر عرفات في العام 2006. وبعد تعديل القانوني الانتخابي، فتم في 18/6/2005 إقرار المجلس التشريعي قانون الانتخابات العامة رقم (9) لسنة 2005، حيث اعتمد فيه النظام الانتخابي المختلط الذي يجمع مناصفة بين نظام الأغلبية النسبية (الدوائر)، ونظام التمثيل النسبي (القوائم)، كما حُدد القانون عدد أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني بـ132 عضوا، يتم انتخاب 66 عضوا وفق نظام الأغلبية النسبية، ويتم انتخاب الـ66 عضوا وفق نظام التمثيل النسبي (القوائم). وتم تعديله لاحقا، وأبرز ما جاء في القرار بالقانون عند تعديله، أن كان اعتماد مبدأ التمثيل النسبي الكامل في انتخابات المجلس التشريعي (نظام القوائم) باعتبار الأراضي الفلسطينية دائرة انتخابية واحدة، بدلا من النظام المختلط المحدد في القانون رقم (1) والذي جرت بموجبه الانتخابات التشريعية في العام 2006. وعلى هذا الأساس شاركت في الانتخابات الثانية معظم القوى بقوائم مختلفة، بما فيها حركة حماس. وقاطعتها حركة الجهاد الإسلامي والصاعقة والقيادة العامة. وكانت قائمة البديل تضم الجبهة الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب. وفاز الرئيس محمود عباس فاز بالرئاسة. وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة إسماعيل هنية، لكن هذه الحكومة انفرط عقدها بعد فترة قصيرة ووقع الانقسام الداخلي الذي ما زال مستمرا حتى الآن.
إذًا، وقبل أيامٍ خلت، وتحديدا يوم 15/1/2021، أصدر الرئيس محمود عباس قرار إجراء الانتخابات التشريعية وبالتتالي الرئاسية وصولا لمجلس وطني فلسطيني جديد موحّد بين الداخل والشتات. وتم إعلان مرسوم الانتخابات بوجود رئيس لجنة الانتخابات التي يرأسها حاليا الدكتور حنا ناصر. فالمرسوم تحدث عن الانتخابات على ثلاث مراحل، على أن تجرى الانتخابات التشريعية في مايو/أيار القادم 2021. والرئاسية في تموز/يوليو القادم 2021. وسيتم استكمال انتخابات المجلس الوطني في 31 آب/أغسطس 2021 المقبل “وفق النظام الأساس لمنظمة التحرير الفلسطينية والتفاهمات الوطنية، بحيث تجرى انتخابات المجلس الوطني حيثما أمكن”. وبذا فإن البدء بالتحضير للعملية الانتخابية بمراحلها المتتالية يفتح الطريق لإنهاء الانقسام الداخلي في البيت الفلسطيني.