عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
سألني أردنيون على الهواء هل لا يوجد من قبل ولي عهد عُماني طالما ان النظام في سلطنة عُمان ملكي (سلطاني)؟ قلت: لم يكن في عهد السلطان قابوس ولياً للعهد، وقد أخذ العُمانيون بمبدأ ظل فريداً وغريباً استند الى الشورى التي أقرتها الاباضية (أحد المذاهب الاسلامية الذي يمثله السلطان وينيب عنه من يمثله فكان الشيخ احمد الخليلي اخيرا).. وهذا التقليد يقوم على أن يكتب السلطان وصية مكتوبة يُرشح فيها من يخلفه، وتبقى هذه الرسالة في نسخة او أكثر موضوعه في مكان آمن حتى اذا ما رحل السلطان او عجز عن الحكم قام أولي الأمر بفتحها ونظروا اسم من فيها إن لم يكونوا اجمعوا على اسم او احسوا ان خلافا قد ينشب، وهذا ما تم عند مجيء السلطان هيثم بن طارق الى تولي مسؤولياته قبل عام حين فتح المظروف السلطاني الذي أعده السلطان قابوس -طيب الله ثراه- ليجدوا اسم السلطان هيثم بن طارق، فأجمعوا عليه و تولى السلطة التي انتقلت اليه بشكل سلس كان مضرب المثل في العالم..
وحين عُدت من الاذاعة ونظرت في المراجع ما اذا كان في عُمان في عهد سلاطينها أو أئمتها حيث كان السلطان من قبل ومن قبل مئات السنين هو الامام، وكان يجمع بين المنصب الديني والدنيوي، فوجدت ان ولاية العهد كانت موجودة، وعندها اضطررت ان أسال فجاءتني وثيقة رسمية تاريخية قديمة ارسل لي صورتها صديقي السفير العُماني الأسبق في الاردن (سعادة الشيخ مسلم البرعمي “ابو احمد”)، فلما وصلتني وأدركت مضمونها بعد ان قرأتها، رغبت أن أكتب عنها لأجيب على سؤال المواطن الاردني الذي كان سألني قبل فترة عن ذلك واجبته عن طريقة انتقال السلطة، ولكني لم أكن قد حصلت على وثيقة تاريخية كانت قد سمت ولي العهد، وهي وثيقة قديمة سأنشر مضمونها كما يلي..
وهي تبدأ على أعلى الوثيقة بختم هو عبارة عن شعار على يمين الصفحة، وفي أعلاها وأوسطها كتب “باسم مؤسس الكون”، أما نص الوثيقة هذه فكان “هذا تاريخ يوم وضع أساس معمل الثلج الوطني بمسقط باهتمام جمعية الاخاء المنتظمة تحت رئاسة السيد الملاذ المعظم ولي عهد سلطنة مسقط وعُمان تيمور بن فيصل بن تركي بن سعيد، ومن أجل أعضاء هذه الجمعية سند الرئيس وأخوه السيد الهمام نادر بن فيصل بن تركي بن سعيد ، وقد تفرد ببذل الجهد في تأسيس هذا البناء نائب السكرتير في الجمعية والكاتب الأول لجلالة السلطان فيصل بن تركي وهو الزبير بن علي بن جمعه، وكان وضع هذا الأساس المذكور في عصر سيدنا السلطان المعظم المطاع فيصل بن تركي بن سعيد بن سلطان ادام الله عزه وتمكينه، وذلك في يوم ثلاثة عشر من شهر ذي القعدة 1329 هـ ، تسع وعشرين وثلاثمائة والف هجرية، وحرر هذا بأمر مولانا الرئيس خادم الكاتب الأول في جمعية الاخاء الفقير لربه محمد بن سعيد بن ناصر الكندي بيده ثم التوقيع والختم مرة اخرى، وفي التوقيع تيمور.
والملاحظ في النص انه كانت هنالك ولاية عهد، وان ورود اسم ولي العهد ارتبط بسنة معينة و تاريخ هو تاريخ وضع حجر الأساس لمعمل الثلج الوطني .. وانشاء معمل الثلج حدث مهم في بلاد حارّة يعتبر ذلك من أساسيات الخدمة والعيش، كما كان ربط بين مسقط وعُمان (وهي التسمية القديمة) قبل ان تسمى البلاد “سلطنة عُمان”.. اذ كانت مسقط لوحدها، كما كانت الامبراطورية العُمانية من قبل على قسمين: قسم في اسيا هو على ما هي خارطة عُمان اليوم مضاف اليها “ميناء جوادر” التابع للباكستان الآن بعد ان تنازلت عنه عُمان، اما القسم الغربي من السلطنة فهو في ساحل افريقيا الشرقي ويشمل دار السلام زنجبار “تنزانيا” الآن، وهذا القسم سيطر عليه الانجليز في استعمارهم وخلعوا ولاية السلطان عنه بعد صراع طويل ومذابح عرفتها المنطقة قامت على انقاضها في الستينيات من القرن الماضي جمهورية تنزانيا، وهاجر كثير من مواطنيها المسلمين الى الجزء الشرقي (مسقط وعُمان) الذي اصبح فيما بعد سلطنة عُمان..
اذن موقع او تسمية ولي العهد كان موجودا في التاريخ العُماني عبر سلاطين عُمان الذي لحقوا التسمية ، وكان الموقع ذو دلالة واضحة ولحامله لقب ونشاط وقيمة كبيرة وتبجيل وتبعية، و يذكر اسمه في المراسم ويكلف بالاعمال و ينوب عن السلطان في غيابه وحروبه، وكان يلقب بـ “الملاذ المعظم”.. والملاذ من اللوذ، أي من يلجا إليه في الملمات وحين الحاجة والبأس، وقت تبعت صفة الملاذ اللقب وهو ولي العهد، وهي تسمية قديمة وردت في التاريخ العُماني، وكان هناك من حملها ثم غابت، وها هي تعود اليوم لادراك السلطان هيثم بن طارق وهو ينهل من تراث عُمان وتقاليدها ضرورة ذلك واهميته ليتسنى لعُمان السلطنة والمواطنين وانما للعالم كلّه و للمستثمرين ولاستقرار سلطنة عُمان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وحتى لا يحدث اي فراغ إن غاب السلطان -حفظه الله- لأي أمر طارئ او شُغر موقعه، فولي العهد حاضر و جاهز..
وهو الأمر المعروف في الانظمة الملكية في التوريث حين يقال: “مات الملك عاش الملك” توضيحا الى تداول السلطة بسلاسة ورحيل الرمز ليحل محلة آخر.
فالسلطان هيثم وهو يستحدث الآن في عهده منصب ولي العهد لم يأت بجديد ولا أبدع بدعة أو سن سُنة، وإنما أعاد تأصيل حالة سياسية واجتماعية عُمانية، إذ أعاد موقع ولي العهد وتسميته حين سمى له.. ابنه “ذي يزن بن هيثم” الذي يشغل منصب وزير ويحمل حقيبة وزارية كان والده السلطان هيثم بن طارق حملها من قبل..
وضع السلطان هيثم بن طارق بهذه الخطوة تسمية ولي عهده أساساً للاستقرار لصالح سلطنة عُمان التي واصلت نفس نهج السلطان الراحل مع مزيد من الانفتاح الداخلي والخارجي، ومزيد من التقدم والحريات الليبرالية الفردية والجماعية والقدرة على المزيد من التوازنات والحياد الايجابي، اضافة الى بث روح الاعتماد على النفس من جانب المواطنين العُمانيين الذي جرى تربيتهم على هذا الأساس الذي يمكن من خلاله العمانيون من بناء دولتهم الحديثة التي تجنبت اهتزازات الربيع العربي والاستقطابات الاقليمية والدولية ، وظل على استقلالها وخدمة رؤيتها النابعة من عدم التدخل في شؤون الآخرين وعدم السماح للأخرين في التدخل في شؤونها..
فمبروك لعُمان ولي عهدها ومبروك لسلطانها انتظام حكمه بالدستور والحفاظ على التقاليد وتحديثها ولكل العمانيين الذين أحبوا سلطانهم والتفوا حوله..