عروبة الإخباري – لم يكن من السهل تصديق المشاهد التي ظهرت منذ سبتمبر/أيلول 2020، حين احتشد عشرات الآلاف من الإسرائيليين في مراكز التسوق والشواطئ في أبوظبي ودبي، ووقف الإماراتيون لالتقاط صور “سيلفي” في القدس، كما شغل منسقو الأغاني الإسرائيليون الموسيقى أمام حشود من المحتفلين في برج خليفة بدبي.
لكن هذه السياحة في الشرق الأوسط لها وزن جيوسياسي، حيث يتجلى فيها التأثير الدبلوماسي العميق لاتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، الموقعة في سبتمبر/أيلول الماضي.
صديقة حميمة لإسرائيل
لم تكن “اتفاقيات إبراهيم” اتفاقية دبلوماسية رفيعة المستوى فحسب، لكنها كانت أكثر من ذلك بكثير، فقد شكلت تحولا في الولاءات الوطنية.
والإسرائيليون والإماراتيون ليسوا مجرد شركاء حذرين، بل هم حلفاء مقربون بشكل متزايد، وصحيح أنه سبق لإسرائيل أن وجدت طرقًا للتعايش مع الأنظمة العربية، لكن ربما تكون هذه المرة، قد وجدت صديقًا حقيقيًا.
تمثل “اتفاقيات إبراهيم” أكثر الاتفاقيات شمولية التي وقعتها إسرائيل مع دولة إسلامية، حيث كانت الاتفاقيات طويلة الأمد مع الأردن ومصر، والموقعة في السبعينات والتسعينات، مدفوعة بالحاجة إلى الحفاظ على السلام على اثنين من أكثر الحدود التي تدور حولها النزاعات في العالم، وتأمين علاقة مالية مع الولايات المتحدة.
وقال “سامي نادر”، محلل شؤون الشرق الأوسط: “كان ذلك سلامًا باردًا للغاية. أما هذه الاتفاقية فهي تحويلية”، وهي تتضمن اتفاقيات للتعاون في مجال السياحة والبحث والتطوير لمكافحة الوباء، ولا تزال تنطوي على تعاون أعمق في قضايا أخرى.
لكن هذا التحول جاء على حساب الفلسطينيين، ففي السابق، كانت معظم الدول العربية ملتزمة بمبادئ مبادرة السلام العربية المتفق عليها للمرة الأولى في عام 2002، والتي أعيد إقرارها في عام 2017، ونصت على أن التطبيع مع إسرائيل لن يحدث إلا إذا تراجعت عن الأراضي المحتلة مع إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
تراجعت الإمارات عن هذا الالتزام، وبتوقيعها على الاتفاقيات، انفتحت على إسرائيل بمجرد التأكيد على أن إسرائيل ستتوقف عن التعدي على الأراضي الفلسطينية، بينما أوضحت إسرائيل لاحقًا أن الضم قد تم تعليقه فحسب ولم يتوقف تمامًا.
قطار التطبيع يجذب آخرين
وصلت أهمية موافقة الإمارات على هذه الشروط إلى ما هو أبعد من النص نفسه، فقد أعطت ذريعة لـ3 دول أخرى -البحرين والسودان والمغرب- لإصلاح العلاقات مع إسرائيل في الأسابيع التالية، وتنتشر التكهنات الآن بأن الإمارات قد تعمل أيضًا على إقناع “بشار الأسد” بتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل.
من الواضح أن النظام السوري، الذي يدعي معارضة إسرائيل إلى جانب إيران، امتنع عن إدانة الاتفاقيات بشدة، وبدلاً من ذلك، انتشر مقطع فيديو على الإنترنت لعضو حزب البعث، “مهدي دخل الله”، وهو يدعو سوريا إلى توقيع اتفاق سلام مع عدوها.
وقال “بسام بربندي”، وهو دبلوماسي سوري سابق كان يعمل في السفارة السورية في الولايات المتحدة عام 2011 ويعيش هناك حاليًا في المنفى، إن فيديو “دخل الله” منذ بضع سنوات، ولكن أعاد مؤيدو النظام تداوله عمدًا في أعقاب “اتفاقيات إبراهيم”.
دوافع إقليمية وعالمية
هناك أسباب عديدة تغذي التقارب الإماراتي مع إسرائيل، وصحيح أن الإرهاق من اعتناق القضية الفلسطينية كان يعم جميع أنحاء المنطقة منذ فترة، لكن الإمارات كانت تسعى أيضًا لتحقيق طموحاتها الإقليمية.
تشعر كل من إسرائيل والإمارات بقوة أنهما تواجهان تهديدًا عسكريًا من إيران، حيث وسعت الأخيرة نفوذها من طهران عبر العراق وسوريا وصولاً إلى لبنان على مدى العقد الماضي، كما يسيطر “حزب الله”، وهو وكيل لإيران، على جنوب لبنان، ورسخ موطئ قدم له أثناء الحرب السورية في جنوب سوريا.
ربما يكون ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد”، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه مهندس الصفقة، مدفوعًا أيضًا بالاعتقاد بأن علاقة أوثق مع إسرائيل ستعمل على تعميق العلاقات المستقبلية لبلاده مع الولايات المتحدة، خاصة إذا قام الإسلاميون المحليون لديه في أي وقت بانتفاضة على غرار الربيع العربي ضد نظامه الملكي.
ومن خلال اتخاذ المبادرة بشأن التواصل الدبلوماسي مع إسرائيل، حسّنت الإمارات أيضًا سمعتها الدولية مقارنة بالحكومة السعودية الأكثر ترددًا، والتي لم توقع حتى الآن على أي اتفاق سلام من هذا القبيل.
وقال المحلل السياسي الإماراتي “عبدالخالق عبدالله”: “الإمارات الآن صانع سلام إقليمي. إنها تقف بفخر أكبر في العالم عما كانت عليه قبل الاتفاقية. الجميع في الغرب؛ واشنطن، باريس، برلين، كلهم سعداء بالإمارات، ونحن في موقع القيادة”.
جهود منسقة في سوريا
لقد أضفت الاتفاقية الطابع الرسمي على علاقة كانت واسعة بالفعل بين الإمارات وإسرائيل، حيث كان البلدان يتعاونان بالفعل منذ عقد في مبادرات السياسة الخارجية، ويبدو أن هذا التعاون قد تضمن أيضًا جهدًا إماراتيًا في سوريا.
فقد شهد المسلحون السابقون وعمال الإغاثة في القنيطرة في جنوب سوريا، على الحدود مع إسرائيل، أن الإمارات ربما تكون قد عملت لدعم المصالح الإسرائيلية خلال إحدى مراحل الحرب الأهلية السورية.
وتلقى “أبوماريا”، وهو مقاتل من القنيطرة، تدريبات عسكرية في الأردن في مركز عمليات عسكرية تديره الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإمارات والسعودية.
وصرح لمجلة “فورين بوليسي”: “كانت لدينا مهمتان: طرد الجهاديين ونشر كلمة طيبة عن إسرائيل. اعتادت الإمارات على توجيه قادة الفصائل في الجنوب بالثناء على إسرائيل دائما أمام المدنيين”.
أما “أحمد”، الناشط في “الخوذات البيضاء”، وهي قوة دفاع مدني تطوعية في سوريا، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، فقد تم تدريبه أيضًا في الأردن من قبل “مؤسسة ماي داي للإنقاذ” كعامل إسعافات أولية.
وتضمنت وظيفته نقل المصابين بجروح خطيرة إلى بوابات الحدود الإسرائيلية، حيث شاهد في كثير من الأحيان مقاتلين مسلحين مصابين من مجموعات مثل “ألوية الفرقان” الإسلامية غير الجهادية، وهم يعبرون إلى إسرائيل لتلقي العلاج.
وقال: “أعضاء هذه المجموعة ومجموعات أخرى في القنيطرة مدعومون من إسرائيل والإمارات. قدمت الإمارات مساعدات إنسانية لنفس الجماعات التي كانت تدعمها إسرائيل عبر الحدود. لا شيء يحدث بالصدفة في تلك المنطقة”.
كما أضاف “أحمد”: “كان هناك آخرون أرسلوا مساعدات أيضًا، لكن في القرى القريبة من الحدود كانت المساعدات بأغلبية ساحقة من الإمارات”.
هناك أيضًا شهادة “مسنايا”، وهي عاملة إغاثة بمنظمات غير حكومية محلية تسمى “إغاثة وتنمية الجنوب”، وقد أظهرت مقاطع فيديو لطرود المساعدات وهي تصل في شاحنات تحمل الأعلام الإماراتية، قائلة إن العاملين الميدانيين أُمروا بإعطاء الأولوية لتقديم المساعدات إلى مجموعات مثل ألوية الفرقان”.
وقالت: “طُلب منا إعطاء الأولوية لتوزيع المساعدات الطبية والغذائية لعائلات مقاتلي ألوية الفرقان وآخرين ممن تدعمهم إسرائيل علنًا. كل المساعدات في قرانا كانت من الإمارات”.
وقالت “إليزابيث تسوركوف”، الزميلة في مركز السياسة العالمية في واشنطن العاصمة، إن “ألوية الفرقان” كانت بالفعل إحدى المجموعات التي تدعمها إسرائيل، رغم أنها نوهت أن المساعدات الإسرائيلية والإماراتية من الممكن أنها انتهت في أيدي مجتمعات هؤلاء بسبب العوامل المحلية، وليس التنسيق الحكومي.
سيكون تحويل سوريا إلى حليف لإسرائيل – بفرض أن هذا بالفعل مشروع الإمارات الحالي – مهمة عبثية، لكن صفقة الإمارات مع إسرائيل قد أوضحت بالفعل الاتجاه الذي تسير فيه أكثر الأطراف الفاعلة نشاطاً في السياسة الخارجية في المنطقة، وكيف أصبحوا يعملون مترادفين بشكل متزايد.
في غضون ذلك، تنتشر بوادر صداقة وتبادل ثقافي غير مسبوقين، وقال “فابيان فايولي”، وهو فرنسي من ليون، يعمل رئيس الطهاة في مطعم راقي في دبي يدعى “كاف”، إنه يستعد لاستضافة عدد متزايد من حفلات الزفاف الإسرائيلية.