عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
إلى أن يتوافق الأعضاء على تسمية صالونهم فإنني سأسميه “صالون الدكتور حازم قشوع” لأنه تكرم أن يعقد في بيته، ووفر له كل أسباب الحياة من دفء وكرم وعناية وإدارة ومشاركة فاعلة ،وقد استقطب هذا الصالون بعناية جملة من المفكرين والاقلام والسياسيين والحزبيين ، وشكل بدايات نواة فاعلة يحدونا الأمل في أن يكون مؤثرا واضافة نوعية للعمل السياسي والوطني الفاعل من خلال تطلعه لاستقطاب شخصيات ذات فكر ووطنية ونشاط وقدرة نقدية مثمرة..
في باكورة الاستقطاب جرى دعوة الدكتور خالد طوقان ليستمع أعضاء الصالون ويناقشون الدكتور الخبير والعالم في ما وصل إليه الأردن من جهود مخلصة في مجال العمل النووي وما قطعه من عمل مختبراتي وحتى من اسهامات في مجال الطب والدواء والمعالجة ، سيما وأن ما توفر من نشاط نووي وما اقيم لبدء في بناء المفاعلات جاءت كلها لاغراض سلمية صرفه وذهب النشاط بهذا الاتجاه..
لا أريد أن أتحدث عن الجوانب العلمية والانجازات التراكمية التي تحدث عنها الدكتور طوقان وما واجه من سوء فهم لجوانب عديدة من نشاط ظلّ يترفع عن ذكرها الاّ لجهة أن النقد الذي لا يهدمك يبنيك، ولكني التقطت وزملائي من حديثه بفخر حجم العمل الوطني الذي أنجزه ليضع الأردن في المقدمة بين الدول العربية متفرداً في بناء على أسس علمية صحيحة أشير اليها في المصادر العالمية المختلفة..
قيمة ما صنعه الدكتور طوقان والفريق الذي نشأ على يديه حين بدأ من الصفر أو من العدد(5) ليتدرب ويرسل في بعثات ومنح ويلتقط أفضل العقول الاردنية الشابة المتخرجة من الجامعات في الداخل والخارج ويعيد توجيهها وحفزها وارسالها في بعثات مراهناً على العنصر البشري المتفوق، فعلم الذرة وان كان المال مهما فيه لبناء مختبراته ومفعالاته واجهزته المختلفة هو علم يقوم على الانسان وعلى ابداعه وتفوقه وهذا ما توفر للاردن وتجربته ولكن للأسف لم يتوفر المال بما يكفي وقد لا يعلم الكثيرون مثلنا قبل ان يتحدث الدكتور خالد طوقان وقبل ان نلاحظ في تقرير ديوان المحاسبة ان ميزانية العمل النووي الاردني لا تزيد عن )6.5( مليون دينار سنوياً وهي في هذا العام أقل رغم اسهامات هذا النشاط في توفر علاقات تنتمي الى العائلة النووية في شراكات مع مركز الحسين للسرطان ومستشفيات وهيئات أخرى عربية ..
لدينا نشاط نووي بجهود وسواعد اردنية أصبح عددها بالمئات ومال قليل ولدى اشقائنا العرب نشاط نووي نموذجه الامارات العربية التي بنت ثلاث مفاعلات للاغراض السلمية بمليارات الدولارات لم يعمل منها الاّ واحد لنقص الكفاءات المتخصصة الوطنية .. هذه هي المفارقة ..
لفت الدكتور طوقان الى اننا ان سرنا في هذا الطريق الذي لا تعدم قوى عديدة من الخارج الشغب عليه سنكون بلداً غنياً بما لدينا من مكونات وعناصر ومعادن ويورانيوم، وحتى ما يصنع الكعكة الصفراء وان اليورانيوم الاردني الغزير يتمتع بمواصفات خاصة لقربه من قشرة الارض الخارجية وغزارته وجودته وسهولة تعدينه، وان الاردن الذي يواصل شق هذا الطريق يتمتع القائمون عليه والمخلصون فيه باسناد ارادة ملكية لم تتراجع ولم تقبل ضغوطاً وآمنت بحقها الشرعي والقانوني الدولي في استثمار مقدراتها بالشكل الذي يراه العالم مناسباً، فالأردن كما يرى طوقان لا شيء لديه يخفيه، وهو يؤمن تماماً بكل ما لدى هيئة الطاقة الذرية العالمية ومعاييرها وبرنامجه واضح تماماً كما أن استهدافاته واضحة ..
حديث طوقان والاسئلة الجوهرية التي طرحت عليه كونت رؤية وطنية جديدة لدينا حول الامكانيات الهائلة المتمثلة في القدرات البشرية التي يملكها بلدنا، والتي هي قادرة تماماً ان تعبّر عن تميّز انسانه وعن امكانياته وحرصه ..
هذا الرجل وفريقه صنع شيئاً مميزاً، فقد كان ومازال “أبو البرنامج النووي الأردني” بمبالغ تعد ” فراطة ” قياساً الى الكلف الخيالية للبرامج النووية، لكنه استطاع بدعم ملكي مميز أن يضع الأردن على الخريطة العالمية في المشروع والارادة والاصرار على التدريب وبناء الخبرة واختصار المسافات.. فالعلم الذري أصبح ضرورة قصوى في مجالات الطب والصناعة والزراعة والخدمات، وهذه المتطلبات يتوفر لها ما تتطلبها من مكونات الارض الاردنية وفي البحر الميت تحديداً، فليس من المنطق أن يبقى العالم العربي مقيداً بخوفه وجهله وتردده حين لا يمتلك من هذا العلم شيئاً وحين تغدو دول عديدة في العالم تسخّر الطاقة النووية في تقدمها وهي أقل امكانيات ومكانة وموقعاً وتاريخاً من عالمنا العربي الممتد على مساحات واسعة والرابض فوق ثروات عظيمة..
المراهنون على غير علوم الذرة واستخداماتها سيجدون أنفسهم ذات يوم وان امتلكوا البدائل الآنية فقراء وفي نهاية الركب..
أعادت محاضرة طوقان لنا اعتزازنا بالمشاركة العلمية العالمية وتميز ابنائنا وقدرتهم على الشراكة وصناعة منجزات متميزة فالأردن الذي يمتلك قيادة نابهة متفهمة للبرنامج النووي ويمتلك انساناً مميزاً متفوقاً قادر أن يعتمد على النفس وأن يجد البدائل الاقتصادية والعلمية وأن لا يظل يتطلع للمساعادات .. هكذا فهمنا من محاضرة أمس الأول التي أضاءت مساحات لم نكن نراها في قدراتنا الوطنية ..