عروبة الإخباري_كتب سلطان الحطاب
أزعم أنني من أكثر المتابعين معرفة بجهود وزير النقل الاسبق الدكتور حسين الصعوب الحائز على دكتوراة في النقل و شهادات جامعية اولى وثانية من السويد وبريطانيا، والذي قاد “الجسر العربي” كمدير تنفيذي لسنوات طويلة نقله فيها من اربعة ملايين دينار الى مائة واربعة ملايين دينار، وانه عمل على جعل هذه المؤسسة للعمل العربي المشترك واحدة من المؤسسات الباقية التي ظل يشار اليها بالبنان، وتذكر بما كان القادة العرب للدول الثلاثة (الاردن ومصر والعراق) قد فكروا فيه ووضعوا له حجر الأساس ورفعوا منه البناء…
الصعوب الذي لم يمكث طويلا في حكومة الملقي كان رجلا عمليا، صب خبراته الطويلة في العمل ولم يكن ينصرف الى التنظير او المماحكة او الادعاء أو زج الواسطات والمحسوبيات هنا وهناك، وقد حار الكثيرون فيه لعدم احتسابه على جهة معينة دفعت به الى الوزارة، ولذا اكثر من ادعوا انهم وراء ذلك حين تسلم منصبه ونجح فيه…
كان خروج الصعوب وثلاثة من الوزراء من اصحاب الكفاءة من حكومة الملقي قد جاء على خلفية تلبك تلك الحكومة وارتباكها وعدم امتلاكها لأي معايير من الكفاءة تستند اليها في خياراتها، ولم نر منها إلا بكائيات رئيسها على الشعب الاردني حين اشفق عليه في روايته عن الرز المصري الذي لم يرغب ان يتناوله حين قَدمت حرم رئيس الوزراء المصري لديه طبقا منه يصاحب طبق الملوخية، فتذكر الشعب الاردني الذي زعم ان لا رز لديه في تلك اللحظة، فأشفق ان يأكل ولا يأكل شعبه.. وبقية القصة معروفة والمسند فيها اليوتيوب، وهي لم تكن البكائية الاولى ولا الاخيرة فهناك بكائية (البلابيف) وبكائية (عنق الزجاجة) وبكائية (تعالوا حاسبوني) وبكائية (لا تنادوني باسمي وترفعوا الكلفة) وغيرها مما امضت الحكومة المعنية اوقاتها في تأليفها …
في مثل تلك الحكومة شارك الصعوب وعمل، ولكن لم تجد حكومة تأليف البكائيات في عمله ما يستطيع ان تحلف به فخرج غير اسف، وكنت اعتقد انه لو بقى في “الجسر العربي” لما تدهور الجسر وتداعى، وان كنت اجد لقيادة الجسر العربي الان عذرا في الظروف القائمة…
الصعوب عمل بإخلاص وكان ينفق في العمل 16 ساعة يوميا في كثير من الاحيان، ولم يبرح العقبة إلا لاجتماع.. فقد كانت كلفة خدمة البحر والمصلحة المترتبة على عمل الجسر الذي كان دخله وفيرا ويرفد موازنات ثلاث دول قد لا تكون بحاجة الى ذلك الرفد حاجة الأردن، وقد كان من ميزة معالي حسين الصعوب عنايته بالطواقم العاملة معه من كباتن وفنيين وموظفين واداريين وعمال، فقد كان يتفقدهم ويجالسهم ويستمع اليهم وينصفهم ومازالوا يذكرون له حرصه، كما يَذكرون له انه حول “الجسر العربي” الى مركز تدريب للشباب الاردني الذي ظلت الاكاديمية البحرية الناجحة ترفد الاردن والعالم العربي بمزيد من الخريجين على مختلف تخصصاتهم الفنية والهندسية ،وظلت تحظى بمستوى متميز في ذلك..
كان الوزير الصعوب شفافا لم يطرق صحفي باب مكتبه إلا وشرع له كافة القرارات التي يتخذها، ولم يبخل بمعلومة وقد لا يكون ذلك سنة في حكومة الملقي المتعالمة والمتذاكية او حتى في كثير من الحكومات السابقة أوحتى اللاحقة ..
فقد كانت له اراء في الميناء و في المطار وفي تكسي كريم وأوبر، كما كان لا يقبل التليفونات المكتومة التي هي اشبه بالمسدسات كاتم الصوت والتي تقتل دون ان ترى، فقد ظل يتجنبها أو يتجاهلها معتقدا ان عمله هو اوراق اعتماده دون ان يتحيز هذا الموقف لاحقا ان كان مناسبا ام لا، لكنه ظل يعتقد ويتمسك به ليخرج نظيفا من العمل العام كما دخل…
الصعوب ذو الخبرة الطويلة والدراسة الاكاديمية التخصصية في النقل لم يأتي من تسويق البيض ولا من ادارة مصنع للألبان ولا حتى من وكالة تصدير واستيراد او ابتعاث طلاب وإنما جاء من ميدان البحر ومن اكاديمياته كما خبِر النقل بكل انواعه…
الصعوب الذي غادر العقبة ما زال لم يدخلها رغم انني احببت مصاحبته اليها ليس كرها في اصدقاء أو انزعاج من قضايا محددة، ولكنه اعطى المكان زهرة شبابه حين كان يقارع رؤوس الإدارة في مصر والعراق ويقرّون له قدراته في العمل والإقناع والحرص على العمل العربي المشترك..
العقبة ما زالت بحاجة الى شخصية عاملة مثابرة مؤهلة مثل الدكتور الصعوب الذي تزاحمت المواقع مبتعدة عنه، واذا كان الكثيرون ممن خرجوا من الوزارات او الوظائف العليا الكبيرة ممن استثمرت فيهم الدولة واعطتهم خبرات مرموقة فان الصعوب جدير بأن يعود الى موقع مميز في العقبة او غيرها ليواصل واجبه، فما زال لديه قدرة كبيرة على العطاء…
قد لا يعجب الدكتور حسين ما كتبته لأنني أحاول أن ازج به الى العمل مجددا واحرمه من الاستمتاع بتقاعده وصفة القناعة التي يعيشها…