عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
كيف يمكن أن يعبر الصحفي إلى الدبلوماسية في أعلى مواقعها وكيف يمكن للدبلوماسي أن يُعبر عن نفسه كصحفي؟ وإلى أي مدى تستطيع الدبلوماسية احتمال الركض في حقل الصحافة والتعامل معها دون انكشاف؟
هل الصحافة سالكة باتجاه الدبلوماسية؟ أم الدبلوماسية باتجاه الصحافة؟ أيهما يكون الطريق بينهما نافذاً والآخر مغلقاً؟
أقول ذلك وأنا أمهد للكتابة عن ظاهرة فريدة عندنا استطاعت أن تقوم بذلك قيام الجرّاح أو من يمشي على الحبل!!
أتحدث عن ظاهرة الزميل الصحفي أيمن الصفدي وعن ظاهرة الدبلوماسي الرفيع وزير الخارجية..
عشق الصحافة وأعطاها قلمه وعاطفته، وأتقن الدبلوماسية وركب أنواءها بوقار وأعطاها فكره ويقظته وعقله..
تتبعت عمل الصفدي منذ سنوات.. في الصحافة التي اختار منها صحافة الرأي والكتابة من وراء المكتب، وتتبعت نهجه الدبلوماسي الذي استطاع من خلاله ان يصنع له شخصية مستقلة لها شواهدها وامثلتها حين تجاوز المراحل الاولى ليصل الى النضج الذي جعل له هذه الهوية المستقلة.. فقد اصبح مبدعا منفتحا على توجيهات الملك مترجماً لها، ومضيئاً للحكومة التي يشاركها في حقيبته في افاق ومساحات تحمل مسؤولياتها وحيدا في غالب الاحيان..
لقد كانت افضل قراءة لفكر وابداع ونهج ورؤية ايمن الصفدي من مقابلته في تلفزيون المملكة في برنامج العاشرة، فقد اغرته الصحافة ليقول وضبطت الدبلوماسية عبارته ولغته التي ظل يتمتع بها ويعكس من خلالها افكاره ، حيث ظلت اللغة عند كثير من الدبلوماسيين في سلاستها وصلابة بنائها عائقا او معطلاً لتدفق الافكار.
يؤمن الصفدي ان الفكرة الواضحة تحتاج الى لغة واضحة، وان العكس غالبا ما يفقد الدبلوماسيين مواقفهم ان لم يمتلكوا ناصية اللغة..
الهوية الدبلوماسية التي يرتديها الصفدي اردنية واضحة، مهما تغلفت بابعادها الاقليمية والدولية، ومهما اختلطت وهذه ميزة ايجابية ميزته عن الهوية الدبلوماسية لكثير من وزراء الخارجية او السفراء الاخرين الذين تفتقد دبلوماسيتهم الملامح الواضحة لهويتها الأردنية..
الصفدي ابن المجتمع الاردني الذي لم يبتعد كثيرا عن ملامحه وهمومه واوجاعه، وقد يكون لامتهانه الصحافة وكتابته في الموضوع الاردني ما عمق هذه الهوية وأبقاها، فالرجل ليس مستعربا ولا مستشرقا كما حاول غيره ان يكون..
والصفدي لا يمعن في المدح و الثناء ولا يستعمل اللازمة (الملكية) الا حين الضرورة وحين لا يصح العنوان الا بها، فهو لا يسوّغ غير المسّوغ ولا يمتطي مواقف لا يحسن قيادتها او ادارتها او الولوج اليها، ولا يكلف نفسه عناء تسويقها ان لم يكن مقتنعا، والذي يقرأه كاتبا يدرك ذلك، فقد كانت فكرته واضحة ومختصرة..
كنت أرى الصفدي سباحا ماهرا حين يتعلق الموقف الدبلوماسي بالقضية الفلسطينية، لأنها لصيقة بالشان الاردني وليست مسقطة عليه ونابعة من ثقافة الاردنيين ومعاناتهم، فلذا يأخذها في نصها الاصلي وليس المترجم، ويقدمها بروح وطنية احسسنا بها في كل تصرفاته تصريحاته، وهو يتصدى لانعكاسات صفقة القرن وتحذيره من مغبة ردود الفعل او الاثار السلبية التي يسببها الضم (ضم ثلث مساحة فلسطين) “الدولة الفلسطينية الموعودة” فكان واضحا بدبلوماسية عميقة مشحونة بالموقف والفكرة و مستجيبة للموقف الوطني، ولهذا كان اعجاب جلالة الملك بأداء الصفدي الذي يعطي نكهة وطنية الأداء يربطها بكثير من الجوانب التي يفكر فيها الشارع …
في حواراته الأمريكية والفرنسية والألمانية تحديدا سواء كان ينقل رسائل أو يحاور أو يؤسس لمواقف ظل هاجسه وطنيا، وظل يأخذ بالتوجيه الملكي ويتصرف في إطاره وهو يدرك مقولة (أرسل حكيما ولا توصه)..
للصفدي في اللقاءات العربية والإقليمية حضور جدير بالاردن ونهجه وموقعه واتزان سياسته ووهج قيادته… وهذا ما خدم الصفدي وبالتالي ما مكنه من تعميق الحضور، كما ان الصفدي خدم الدبلوماسية الأردنية بالمواظبة والمتابعة والاهتمام وتحضير درسه تماما، فقد أعطى عمله كل وقته الذي قد يتسرب منه شيئا عند من لديهم التزامات أسرية…
الصفدي أمين في نقل الرسائل بلا زيادة أو نقصان حين تكون الاطارات سلبية، وهو يفي هذه الرسائل حقها حين تصب في الإطارات الإيجابية…
وقد ظل في تواصله مع الملك يخدم زملائه الصحفيين حين كان مستشارا للإعلام في الديوان..
لدى الصفدي المام شامل وعميق بأوضاع المنطقة العربية وتحديدا دول الخليج التي خبرها وعمل فيها وبني صداقات ومعارف وتشكلت له رؤية عن واقعها وما تصبوا إليه…
وظل يؤكد فيها دائما على عروبته في تناول قضاياها ويرى في المخاطر التي تهددها نفس المخاطر التي تهدد وطنه…
ولذا فإن القاسم المشترك يتعاظم لصالح علاقات الأردن مع الخليج، ولصالح الاردن الذي تتفهم حكومته الآن أحوالاً مستجدة لم تتفهمها حكومات سابقة…
يؤمن الصفدي بالرأي الآخر وهو ما اكتسبه من الصحافة، كما يؤمن بضرورة أن يكون القرار حازما وواضحا حين يتخذ بعد مشاورة أو إدراك لجوانبه…
لا أريد أن أذهب الى محطات دبلوماسية عده نجح فيها الصفدي بشكل لافت، فهي كثيرة ومتعددة الأوقات والبيئات الجغرافية، ولكنني أردت أن أتحدث عن دبلوماسية الصفدي الوطنية التي جمعت ما بين رضى القيادة (الملك) وما بين نبض الشارع وهذه مسألة صعبة خاصة حين تغادر الدبلوماسية محطات الشعبوية التي لا تتجانس معها أصلا، فالشعبوية مقتل للدبلوماسية خاصة حين تخطفها من سياقها وتبعدها عن أهدافها ومشاركاتها…
أعود لأقول أن مهمة الصفدي الآن هي الأصعب والأشق منذ أن بدأ، لكنه كالقبطان الذي جرب أعالي البحار وكالطيار الذي لديه ساعات طويلة من الاقلاع الناجح…
أتمنى للزميل أيمن الصفدي المزيد من النجاحات التي تتراكم لتظل الدبلوماسية الأردنية في تجلياتها فقد كان للثناء على عمله من أطراف عربية واقليمية ما دفعني للكتابة عنه دون ان أخذ رأيه… فقد كان دبلوماسيا ناجحا ظلت الصحافة تراوده عن نفسها..