لا يتردد بايدن ونائبته هاريس من الاجهار انهم سيصلحون سياسات ترامب السابقة سواء تلك الداخلية أو الدولية. هم يعتقدون ان ترامب الحق الكثير من الضرر بصورة وسياسات أميركا الدولية، واضر بعلاقاتها مع الحلفاء، ما يستوجب استدارة ترمم ما اخطأه ترامب. في الشرق الاوسط بالتحديد، يتوقع استدارة وإعادة تموضع في ثلاث ملفات رئيسية: القضية الفلسطينية، والملف النووي الإيراني، وملف الديمقراطية وحقوق الإنسان. الاستدارة القادمة موضع نقاش مكثف، والتغيير شيء قادم ومتوقع، ولكن لا يبدو انه سيكون بالحجم الدرامي الذي يذهب اليه بعضهم.
إدارة بايدن ستنهي العمل بصفقة القرن سيئة الذكر، التي انحازت بشكل مؤذ أثر على فرص الحل النهائي المأمؤل. بايدن لن يعيد السفارة الأميركية لتل ابيب نظرا لتكلفة ذلك عليه داخليا، ولكنه وفي معرض إعادة التوازن للموقف الأميركي يتوقع ان يعيد فتح القنصلية الأميركية لدى الفلسطينيين في القدس الشرقية، ويبث روحا جديدة بحل الدولتين المجمع عليه دوليا وعربيا وفلسطينيا كحل عادل نهائي للنزاع، ويعيد فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ويستأنف المساعدات للأونروا وللفلسطينيين. قناعة بايدن المعلنة، ان توازن الموقف الأميركي، والانفتاح بالاتصال مع الفلسطينيين، هو الطريق لحل النزاع وهو في مصلحة إسرائيل أولا والفلسطينيين ايضا. في خطوة إيجابية استباقية حسنة، بادر الفلسطينيون باستئناف التنسيق الأمني مع الإسرائيليين بعد أن ارسل لها وزير الدفاع ورئيس الوزراء المقبل غانتس رسالة مطالبة بإعادة التنسيق. ليس لدى الإدارة الأميركية الجديدة أوهام ان البيئة السياسية ليست جاهزة بعد لحل نهائي دائم وعادل وشامل، لكن إعادة التوازن سيعطي زخما ويعيد الأمور لنصابها ويضعها على السكة الصحيحة.
الملف النووي الإيراني سيشهد ايضا إعادة تموضع، لكن لا يتوقع العودة للاتفاق النووي الذي وقعه اوباما-بايدن لان ذلك سيغضب الحلفاء الخليجيين وإسرائيل بشدة. التوقعات باتفاق جديد هايبرد يبقي على العقوبات على إيران نظرا لنشاطاتها المرتبطة بالتدخلات الإقليمية ورعايتها للإرهاب، ولكن العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي ستكون موضع نقاش، ربما لوضع شروط أكثر حزما ووضوحا واطرا زمنية أكثر اقناعا لدول الخليج وإسرائيل.
اما ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان فيعتبر الأكثر غموضا، فإدارة أوباما بايدن ووزيرة الخارجية كلينتون هي التي تبنت نظرية ان الربيع العربي ما هو الا مرحلة تحول للديمقراطية، وان الإسلام السياسي في الحكم ليس بالأمر المستحيل. لا يتوقع ان إدارة بايدن-هاريس ستتبنى نفس الوهم اللاواقعي الذي صاحب القناعات الأميركية إبان الربيع العربي، فنحن نعرف الآن انه كان وصفا للفوضى لعديد من الأسباب، وأدى لصعود الإسلام السياسي الذي يقول انه يؤمن بالديمقراطية وأفعاله تقول العكس. التحول الديمقراطي الشرق أوسطي عملية معقدة وصعبة تحكمها ظروف اقليمية وداخلية للدول، وأي جهد لاحقاق الديمقراطية لا بد ان ينشأ محليا ويراعي بدقة عدم المساس باستقرار المجتمعات، وان يكون واقعيا غير حالم.
بالتعامل مع هذه الملفات، بايدن سيعيد أميركا لتقود من الخلف كما فعل مع أوباما، ولكن في معرض ذلك يؤمل أن يكون مستمعا جيدا لنصائح الحلفاء والشركاء في الشرق الاوسط.