يحتفل الشعب الفلسطيني بالذكرى الثانية والثلاثون لصدور وثيقة إعلان قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف .
يأتي الإحتفال هذا العام بالإعلان عن قيام دولة فلسطين في ظل مرحلة إتسمت في غاية الخطورة من حيث :
— حجم المؤامرة الصهيوترامبية ليست الهادفة فقط إلى تصفية حقوق الشعب الفلسطيني الاساسية المكفولة دوليا بل ايضا بتوظيف القوة الامريكية خاصة إبان عهد الرئيس ترامب وإدارته العنصرية العدوانية الممثلة في ” الإعتداء على ميثاق ومبادئ الأمم المتحدة وعلى القوانين والعهود الدولية بما تتضمنه من حق الشعوب بتقرير المصير وتصفية الإستعمار ” بإنتزاع إعتراف أنظمة عربية تفتقر إلى شرعية شعبها بالكيان الصهيوني الإستعماري على كامل أرض فلسطين التاريخية دون أي إعتبار للقرارات الدولية بحدها الادنى وخاصة قرار الإعتراف بدولة فلسطين الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 67 / 19 لعام 2012 .
— ممارسة ضغوط سياسية وإقتصادية على الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني عبر فرض حصار مالي وإقتصادي يتمثل في تقليص وقطع المساعدات المالية المقرة بمؤتمرات القمم العربية .
— لحاق وتبني بعض الأنظمة العربية للخطاب الصهيوني العنصري العدواني المتطرف الذي يمثله مجرم الحرب نتنياهو ومعسكره بدعم اعمى من الرئيس ترامب ” المعزول من الشعب الامريكي ” وذلك بتبرئة مجرمي الحرب ورموزه نتنياهو وزمرته من المسؤولية عن إرتكاب جرائمه بحق الشعب الفلسطيني وعن عدم تنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة بمؤسساتها الداعية لوجوب إنهاء الإحتلال العسكري الإسرائيلي ولعدم تنفيذ إلتزاماته وفق إتفاق المرحلة الانتقالية ” اوسلو ” المبرم برعاية أمريكية واللجوء إلى تحميل ظلما وطغيانا القيادة الفلسطينية المسؤولية عن وقف المفاوضات مع العدو الصهيوني الذي يتباهى وبكل عنجهية ووقاحة رفضه إنهاء الإحتلال العسكري للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عدوان حزيران 1967 وإستمرار إدعاءات ومزاعم الحركة الصهيونية العدوانية بإعتبار كامل أرض فلسطين التاريخية حق لعصاباته التي لن يسمح بحكم قوته العسكرية للشعب الفلسطيني باقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 كمقدمة لتنفيذ باقي القرارات الدولية ذات الصلة .
إرتايت هذه المقدمة ضرورية للوقوف على بعض التحديات والمشاريع التآمرية التي لم تتوقف و حالت دون تحقيق هدف التحرير وإنهاء الاحتلال بسبب موازين القوى التي تميل لصالح سلطات الاحتلال الصهيوإستعمارية وبسبب غياب إرادة دولية فاعلة خاصة من قبل الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن لفرض تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية مما حال حتى الآن دون إنجاز ترسيخ وتجسيد دولة فلسطين المستقلة بالرغم من الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية كعضو مراقب في الجمعية العامة عام 2012 قبل الإنتقال لاستعراض معان ودلالات جوهر مناسبتنا الوطنية بإعلان وثيقة قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس .
وثيقة إعلان دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف :
تكتسب وثيقة إعلان قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الصادرة عن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشر في 15 / 11 / 1988 اهمية من حيث :
—- التوقيت .
—- المبادئ والمنطلقات
— الرسائل
من حيث التوقيت :
يأتي قرار المجلس الوطني الفلسطيني بتوقيت سياسي له دلالات عززت وتعزز من ادوات النضال الوطني الفلسطيني نحو الحرية والإستقلال ودحر الإحتلال الصهيوني عن الأرض الفلسطينية المحتلة المعترف بها وفق القرارات الدولية وخاصة قرار رقم 181 بالرغم من ظلمه للشعب الفلسطيني فجاء توقيت الإعلان وصدوره مناسبا من حيث :
أولا : يأتي بعد ست سنوات من قمة بيروت عام 2002 وما صدر عنها من إطلاق المبادرة العربية التي تدعو إلى إنهاء الاحتلال الصهيوني للاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة ورفضها العدو الصهيوني الإستعماري منذ اللحظة الأولى لإطلاقها مما إستدعى أهمية إعلان خطوة إستراتيجية متقدمة لفرض الدولة الفلسطينية على الساحة العالمية .
ثانيا : إستجابة وثمرة لانتفاضة الشعب الفلسطيني المناضل داخل الأرض المحتلة في مواجهة قوات الإحتلال العسكري الإسرائيلي بادوات شعبية .
ثالثا : تأتي بعد أسابيع من قرار الأردن بفك الإرتباط إلاداري مع الضفة الغربية من نهر الأردن مما يستدعي وجوب الإعلان عن الكيان السياسي والقانوني ” دولة فلسطين ” لملئ الفراغ الذي قد يتذرع الكيان الصهيوني به و الذي نجم عن قرار فك الإرتباط .
المبادئ والمنطلقات :
لم تكن وثيقة إعلان دولة فلسطين وثيقة شكلية وإنما حملت مضامين ومنطلقات هامة تعكس رؤية القيادة الفلسطينية بهيئاتها التنفيذية والتشريعية وصدورها من أعلى سلطة تشريعية لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني لمستقبل القضية الفلسطينية وهوية الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة ومن أهم ما تضمنته :
أولا : إعلان الدولة على أرض فلسطين التي جسدت إلتحام والتصاق الشعب العربي الفلسطيني بالأرض أرض الرسالات السماوية .
ثانيا : أن أجيال الشعب الفلسطيني لم ولن تتوقف عن نضالها بالدفاع عن وطنها حتى تحريره من نير الإستعمار الصهيوني العنصري الإحلالي وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
ثالثا : إعادة تأكيد المجتمع الدولي عبر الإشارة إلى المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم لعام 1919 وإلى معاهدة لوزان لعام 1923 بأن الشعب العربي الفلسطيني شأنه شأن الشعوب العربية الأخرى هو شعب حر مستقل وفي هذا أيضا تفنيد لاكذوبة ” إن فلسطين هي أرض بلا شعب ” .
رابعا : أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 ” قرار التقسيم ” بالرغم مما الحق بالشعب الفلسطيني من ظلم تاريخي ومصادرة وحرمانه حقه بتقرير المصير إلا أنه لا زال يوفر شروطا للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والإستقلال الوطني .
خامسا : التأكيد على أن إحتلال القوات الإسرائيلية الإستعمارية للأراضي الفلسطينية وإقتلاع غالبية الشعب الفلسطيني وتشريدهم عن ديارهم بقوة ألإرهاب المنظم بعيدا عن وطنهم وإخضاع الباقين منهم للإحتلال والإضطهاد هو إنتهاك صارخ لمبادئ الشرعية ولميثاق الأمم المتحدة وقراراتها التي تعترف بحقوق الشعب العربي الفلسطيني الوطنية بما فيها حق العودة وحق تقرير المصير والإستقلال والسيادة على أرض وطنه .
سادسا : أن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بإعتراف المجتمع الدولي ” الأمم المتحدة ومؤسساتها والمنظمات الدولية والإقليمية ” وعلى قاعدة الإجماع القومي العربي وعلى قاعدة الشرعية الدولية قادت م ت ف نضال ومعارك شعبها العظيم المنصهر في وحدته الوطنية وصموده الأسطوري أمام المجازر والحصار في الوطن وخارج الوطن حتى تحقيق أهداف الشعب العربي الفلسطيني بالحرية والإستقلال .
سابعا : أن دولة فلسطين هي جزء لا يتجزأ من الأمة العربية من تراثها وحضاراتها ومن طموحها الحاضر إلى تحقيق أهدافها في التحرر والتطور والديمقراطية والوحدة .
مرجعية إعلان قيام الدولة الفلسطينية :
لم تلجأ القيادة الفلسطينية بإعلان وثيقة قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف دون مرجعية سياسية وقانونية وحقوقية تمثلت في ” إستنادا وانطلاقا إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني والحقوقي للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين وتضحيات اجياله المتعاقبة دفاعا عن حرية وطنهم وإستقلاله وإنطلاقا من قرارات القمم العربية ومن قوة الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1947 وممارسة من الشعب الفلسطيني لحقه بتقرير المصير والإستقلال السياسي والسيادة فوق أرضه ” فإن المجلس الوطني الفلسطيني يعلن باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف .
رسائل وثيقة إعلان دولة فلسطين :
كما تضمنت وثيقة إعلان الدولة مبادئ ومنطلقات إلا أنها تضمنت أيضا رسائل متعددة الاتجاهات منها :
▪ رسالة عتب موجهة إلى المجتمع الدولي لعدم القيام بواجباته وفق نظام الامم المتحدة لضمان إحترام حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس تنفيذا للقرارات الدولية وعلى رأسها قرار التقسيم رقم 181 .
▪ تمكين دولة الإحتلال الإسرائيلي العنصرية والعدوانية الإستعمارية الإفلات من المساءلة والعقاب لإنتهاكها ميثاق الأمم المتحدة ورفضها تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة وإرتكابها شتى أنواع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني الأعزل من السلاح .
▪التأكيد على شكل وهوية الدولة الفلسطينية من حيث إلتزامها بمبادئ الأمم المتحدة وأهدافها وبمبادئ عدم الإنحياز وبأحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وذلك خلافا لدولة الإحتلال الإسرائيلي التي من حيث المبدأ لا تحترم ولا تعترف بكل ما سبق ” كما أنها لا زالت ترفض تزويد الأمم المتحدة ” بحدود دولتها ” .
▪تهيب دولة فلسطين بالأمم المتحدة بما تحمله من مسؤولية خاصة إتجاه الشعب العربي الفلسطيني ووطنه كما تهيب بشعوب العالم ودول المحبة للسلام والحرية أن تعينها على تحقيق أهدافها ووضع حد لمأساة شعبها بتوفير الأمن له وبالعمل على إنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية .
▪ إيمان دولة فلسطين بتسوية المشاكل الدولية والإقليمية بالطرق السلمية وفقا لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ” خلافا للإستراتيجية الإسرائيلية الصهيونية التي لا تؤمن باي من القواعد والمبادئ التي تشكل منهاجا لدولة فلسطين المستقلة بل لا تؤمن الحركة الصهيونية إلا بمبدأ القوة الغاشمة و بالعدوان العسكري وفرض نتائج العدوان على الغير من شعوب ودول كما انها لا تؤمن لا شكلا ولا مضمونا بميثاق الأمم المتحدة ومبادئها وأهدافها ” .
بناءا على ما تقدم فإن المبادئ التي تضمنتها وثيقة إعلان قيام دولة فلسطين لم تكن شعارا أو كلاما نظريا إنما تم إقرارها وتضمينها في القانون الاساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية وهو بمثابة دستور للدولة خلال المرحلة الإنتقالية المحددة بخمس سنوات تنتهي في ايار 1999 وفق إتفاق اوسلو والتي لم تنتهي حتى الان بسبب عدم إلتزام الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ توقيع إتفاق اوسلو عام 1993 بتنفيذ الإلتزامات المترتبة عليها لعدم إيمانها اساسا بانهاء إحتلالها للاراضي الفلسطينية وصولا لتحقيق السلام وفق حل الدولتين المستند إلى القرارات الدولية وإلى القوانين والعهود والمواثيق الدولية .
العام 33 من إعلان الدولة :
تقف القضية الفلسطينية على ابواب العام 33 من إعلان قيام دولة فلسطين وهي قابضة على ثوابت الشعب الفلسطيني بالنواجذ دون ان تتمكن عنجهية الثنائي نتنياهو ترامب بانتزاع اي تنازل من القيادة الفلسطينية بحكمة وشجاعة وصلابة الرئيس محمود عباس وإيمانه بقوة حق وعدالة القضية الفلسطينية وإجماع من أركان القيادة الفلسطينية وبدعم شامل من جماهير الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وخارجها ومن غالبية المجتمع الدولي المؤمن بتصفية الإستعمار وحق الشعب الفلسطيني بالتحرر وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس .
العام 33 من المرجح أن يشهد تحولات سياسية إيجابية تصب في دعم حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس في ظل متغيرات من أهمها :
أولا : تولي الرئيس الديمقراطي المنتخب بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في كانون الثاني 2021 وما يتضمن برنامجه الانتخابي من تبني سياسة ” فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ” مناقضة للرئيس ترامب “المعزول من الشعب الامريكي” التي أدت إلى عزلة أمريكية عن الغالبية الساحقة من دول العالم فيما يتعلق بفلسطين وشعبها .
ثانيا : الدعم الدولي الواسع للإستراتيجية الفلسطينية التي عرضها الرئيس أبو مازن أمام مجلس الأمن وأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في محطات عدة
ثالثا : الدعم الدولي لدعوة رئيس دولة فلسطين ” تحت الإحتلال ” رئيس منظمة التحرير الفلسطينية لعقد مؤتمر دولي يهدف إلى إنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عدوان حزيران عام 1967 وتمكين الشعب الفلسطيني من اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس وفق حل الدولتين المنصوص عليها بالقرارات والإتفاقيات والعهود الدولية .
رابعا : تراجع فرص نزع إعتراف أنظمة عربية بالكيان الصهيوني بعد تلاشي تهديدات الرئيس المطرود من شعبه خارج التاريخ لعنصريته وإنقلابه على القيم الأمريكية ولعجزه عن حماية سلامة شعبه صحيا والنهوض به إقتصاديا .
خامسا : القرارات الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية الحالية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني والرافضة لمشاريع الحلول التي تتناقض أو تنتقص من الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني المكفولة في القانون الدولي وفي ميثاق الأمم المتحدة .
هذه المتغيرات أساس للبناء عليها من خلال :
— تشكيل لجنة عربية فلسطينية أردنية سعودية مصرية تتولى مسؤولية الإتصال وحشد الدعم العربي والإسلامي والأوربي والدولي والدول الصديقة خاصة روسيا والصين واليابان لتشكيل قوة فاعلة وضاغطة لإرغام سلطات الإحتلال الإسرائيلي بإنهاء إحتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عدوان حزيران عام 1967 وفق جدول زمني محدد تنفيذا للقرارات الدولية التي لم ترى النور وبقيت ديكورا بسبب الإزدواجية التي تعاملت بها الولايات المتحدة الأمريكية سابقا .
كما نتطلع إلى إضطلاع لجنة العمل العربية بمشاركة ودعم دولي واسع للتواصل مع الرئيس بايدن وفريق إدارته للعمل على إحترام ميثاق الأمم المتحدة وفرض تنفيذ قراراتها التي مضى عليها عشرات السنين وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة تنفيذا لقرار التقسيم رقم 181 بدأ بتنفيذ قرارات مجلس الأمن 242 و 2334. ..
دعم إستراتيجية الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالدعوة إلى مؤتمر دولي لتحديد جدول زمني لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية أراض الدولة الفلسطينية تحت الإحتلال تحت طائلة العقوبات أضحى واجبا سياسيا وحقوقيا. … نعم لقوة الحق. .. لا لحق القوة. ..
فلسطين. . دولة تحت الإحتلال. .. إلى متى ؟ د فوزي علي السمهوري
9
المقالة السابقة