عروبة الإخباري – “تعزز الطموحات الجيوسياسية للصين”.. هكذا وصف الخبير التجاري في كلية إدارة الأعمال بجامعة سنغافورة الوطنية “ألكسندر كابري” الإعلان عن توقيع قادة 15 دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، الأحد، لاتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) بعد 8 سنوات من المفاوضات.
ويرتبط توصيف “كابري” للاتفاقية بأبعاد عدة، منها حجم الثقل الذي تمثله بعض دول الاتفاقية، ومدى تأثيرها الاقتصادي باعتبارها واحدة من أكبر اتفاقيات التجارة الحرة في التاريخ، إذ تغطي 2.2 مليار شخص، هم عدد سكان دول الشراكة، و30% من الناتج الاقتصادي العالمي، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
فمن بين الدول الموقعة على الاتفاق أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية، إلى جانب أعضاء من رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي تضم 10 دول، بما في ذلك إندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايلاند.
ويحدد الاتفاق شروطا للتجارة في السلع والخدمات، والاستثمار عبر الحدود، تشمل تخفيض الرسوم الجمركية، إضافة إلى قواعد جديدة لمجالات ذات أهمية متزايدة مثل التجارة الإلكترونية والملكية الفكرية.
ومن شأن الاتفاق تخفيض تكاليف الإنتاج وتسهيل تصدير الشركات لمنتجاتها إلى أي بلد ضمن تكتل الشراكة دون الحاجة للإيفاء بالمتطلبات المنفصلة لكل دولة، الأمر الذي يصب في صالح الصين بالدرجة الأولى، باعتبارها أكبر مصدري هذا التكتل.
وكان مخططا أن يغطي الاتفاق عدد سكان إضافي، يصل إلى ملياري شخص، لو لم تنسحب الهند من المفاوضات العام الماضي، بسبب مخاوف بشأن قدرتها على حماية صناعتها المحلية من غزو المنتجات الصينية رخيصة الثمن، فضلا عن توتر علاقاتها السياسية مع الصين خلال الآونة الأخيرة على خلفية نزاع حدودي.
كما قرر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، عام 2017، الخروج من الاتفاق، الذي دعمه سلفه “باراك أوباما” عام 2012 تحت اسم “اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي”.
ورغم أن الاتفاق لن يسمح للبلدان الأخرى بالانضمام إلى الشراكة لفترة زمنية معينة بعد أن تصبح سارية المفعول، إلا أن هذا البند لن ينطبق على الهند، إذ يخطط الأعضاء لإعداد وثيقة منفصلة تسمح لنيودلهي بالمشاركة في أي وقت إذا اختارت القيام بذلك، ما يعزز ترجيحا مفاده أن الصين تفصل بين نزاعها مع الهند وبين مصالحها التجارية، التي من شأنها انتزاع القيادة الاقتصادية العالمية من الولايات المتحدة.
فمشاركة الهند في اتفاق الشراكة الإقليمية الشاملة يعني إعلانا رسميا بهكذا قيادة، وهو ما كان يدركه “أوباما” جيدا، ودفع “كورت كامبل”، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادي في عهد الرئيس الأمريكي السابق إلى التأكيد على أهمية مشاركة الولايات المتحدة باتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي، واصفا إياه بأنه “شرط لا غنى عنه” لسياسة “محورية نحو آسيا”.
لكن إعلان “ترامب” الانسحاب من الاتفاق بعد 3 أيام فقط من توليه منصبه قدم فرصة ذهبية للصين باتجاه هدف القيادة الاقتصادية العالمية منفردة.
ويقدر خبراء، بينهم الأستاذ في جامعة هارفارد “جراهام أليسون”، أن شغل الصين محل الولايات المتحدة في هكذا اتفاق يعني انتقال قيادة نحو 40% من الاقتصاد العالمي من واشنطن إلى بكين.
ووفقاً لـ”إيفان فيجنباوم”، من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، فإن الولايات المتحدة أصبحت خارج اتفاق “يضع معايير التجارة والاستثمار في آسيا لجيل كامل”.
واعتبرت مجلة The Diplomat المتخصصة في الشؤون الآسيوية أن ميل واشنطن، في عهد “ترامب”، للدخول في نزاعات تجارية صغيرة مع الشركاء الإقليميين قد قوّض هدفها الأوسع المتمثل في مواجهة نفوذ الصين في المنطقة.
وكتب “أنكيت باندا” المحررة السابقة في المجلة عبر “تويتر”، أن اتفاق الشراكة الإقليمية الشاملة كان “تذكيراً بأن أشياء كبيرة تحدث -وستستمر- في آسيا، مع أو من دون الولايات المتحدة”.
المفارقة أن المفاوضات بشأن اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي بدأت عام 2013، بقيادة الولايات المتحدة آنذاك، بينما كانت الصين غائبة عنها، لكنها انتهت إلى وضع معكوس يؤشر إلى مدى تنامي النفوذ الاستراتيجي لبكين.
كانت إدارة “ترامب” تراهن على أن اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادي (TPP) كفيلة بكبح طموحات الصين، من خلال تقديم بديل اقتصادي تشاركي للدول الآسيوية، لكن بعد إعلان الرئيس الأمريكي الانسحاب من اتفاق الشراكة الإقليمية الشاملة منفردا، ذهب باقي الموقعين إلى الأمام، ووقعوا على الصفقة من دون انضمام الولايات المتحدة.
وانتهزت بكين الفرصة لتمرير تجاوز الاتفاق لمعايير البيئة والتكنولوجيا والعمل وخفض المتطلبات التنظيمية لأعضائه، ليفقد TPP الكثير من وزنه.
ولذا يتوقع “كابري” أن تركز الإدارة الأميركية الجديدة، في ظل الرئيس المنتخب “جو بايدن”، بشكل أكبر على جنوب شرق آسيا، وقد تقرر الانضمام إلى الاتفاق.
لكن “أليسون” يرى أن تبني “بايدن” لهذا التوجه سيكون “تحدياً صعباً” لأن “الديمقراطيين أكثر حمائية من الجمهوريين” على المستوى الاقتصادي، وبالتالي سيعارض الكثير منهم الانخراط في اتفاق ينص على خفض الرسوم الجمركية.