عروبة الإخباري – ما هو التغيير المتوقع لسياسات الفائز بانتخابات الرئاسة الأمريكية “جو بايدن” بالشرق الأوسط بعد تسلمه السلطة في يناير/كانون الثاني المقبل؟. هذا السؤال أجاب عليه مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، “منقذ داغر”، عبر “منتدى فكره” بالموقع الإلكتروني للمعهد.
واستند تحليل “داغر” إلى مقال في مجلة الشؤون الخارجية أمريكية، نشره “بايدن”، ربيع العام الجاري، تحت عنوان “لماذا يجب على أمريكا أن تقود ثانية.. إنقاذ سياسة أمريكا الخارجية بعد ترامب”، ولخص فيه سياسته الخارجية إذا تم انتخابه.
وأوضح “داغر” أن سياسة “بايدن” الخارجية ستستند إلى 6 مبادئ أساسية.
المبدأ الأول يتمثل في أن “السياسة قاطرة الاقتصاد”، وهي التي ستقرر توجهات “بايدن” الخارجية، على خلاف حقبة “ترامب”، التي قدمت الاقتصاد ومنافعه على السياسة ومبادئها.
وأشار “داغر”، في هذا السياق، إلى مقتطف من مقال “بايدن” جاء فيه: “الديمقراطية ليست أساس المجتمع الأمريكي فحسب، بل هي أساس قوة أمريكا. إنها تعزز من قيادتنا للعالم لإبقائه آمنا. إنها المحرك الأساس الذي يقود الاقتصاد المزدهر”.
ومن هذا المنطلق يأتي المبدأ الثاني لسياسة “بايدن” المتوقعة، وهو “جعل معيار تطبيق الديمقراطية أساس حاكم في علاقات أمريكا مع الدول”، وهو ما عبر عنه الفائز بانتخابات الرئاسة الأمريكية في مقاله قائلا: “كرئيس سأقوم بخطوات فورية لتجديد الديمقراطية الأمريكية وحلفاءها، فقد أدى انتصار الديمقراطية والليبرالية على الفاشية والاستبداد إلى خلق عالم حر”.
ولذا يتوقع “داغر” أن يتبنى “بايدن” سياسات تدخلية في الدول التي ستصنف أنها معادية للديمقراطية، بما في ذلك أغلب الدول العربية الرئيسية، وعلى رأسها السعودية.
كما ستواجه الدول التي ستشهد عودة التظاهرات والاحتجاجات الشعبية ضغوطا أمريكية متزايدة لضمان حرية التعبير ومكافحة الفساد ومراعاة حقوق الأنسان، حسبما يتوقع “داغر”.
لكن هل يؤثر ذلك سلبا على مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية؟.
يجيب “داغر” بالنفي، مشيرا إلى أن المبدأ الثالث لسياسة “بايدن” المتوقعة هو “إعادة الاعتبار لقيادة الولايات المتحدة عبر العولمة لا الأمركة”.
ويوضح تحليل الباحث بمعهد واشنطن أن سياسة “ترامب” قامت على شعار “أمريكا أولا”، الذي ترجمته إدارته بمزيد من الإجراءات الإغلاقية؛ لذا تلقت العولمة ومبادئها ضربة قاسية على يديه، وهو ما سيبدو معكوسا تماما في زمن “بايدن”، الذي يبشر بالعودة الى السياسات المعولمة، التي تقود فيها الولايات المتحدة المنظومة الدولية بدلا من التنكر لتلك المنظومة والانسحاب من منظماتها واتفاقاتها الواحدة تلو الأخرى.
وعليه فإن “الدبلوماسية ستعود لقيادة القوة الأمريكية” كمبدأ رابع من مبادئ سياسات “بايدن” المتوقعة، وهو ما عبر عنه الأخير في مقاله، بقوله: “لقد اعتمدت سياسة ترامب الخارجية على التفوق العسكري وبشكل وحيد وإهمال عناصر القوة الامريكية الأخرى وأهمها إهمال دور الدبلوماسية”.
“عودة الموقف المتشدد من روسيا” هو المبدأ الخامس الذي تكشفه مقالة “بايدن”؛ لذا يتوقع “داغر” أن تعود أجواء الحرب الباردة بين البلدين، خاصة مع تأكيد الرئيس الديمقراطي على أن روسيا (تحت قيادة فلاديمير بوتين) مناهضة لكل القيم التي يؤمن بها.
وأضاف “داغر”: “إذا أخذنا بالاعتبار دعم بايدن وأبنه لأوكرانيا فيمكن أن نفهم هذا التشدد في موقفه تجاه روسيا”.
وينسجم مع هذا الإطار المبدأ السادس لسياسة “بايدن” المتوقعة، وهو “إعادة النشاط لحلف شمال الأطلسي ودور أمريكا في قيادته”، بما يتناقض مع السياسة التي اتبعها “ترامب” طيلة السنوات الأربع الماضية.
وفى السياق، كتب “بايدن”: “يجب فرض كلف وتبعات حقيقية على روسيا لانتهاكها المعايير الدولية ونقف مع المجتمع المدني الروسي.. إن بوتين يحاول إقناع نفسه والأخرين أن فكرة الليبرالية انتهت صلاحيتها، لكنه يفعل ذلك لأنه يعلم أنها أكبر تهديد لسلطته”.
ويلفت “داغر”، في هذا الصدد، إلى 4 أولويات لإدارة “بايدن” في سياسة الشرق الأوسط تحديدا، وهي: مكافحة الإرهاب، وأمن إسرائيل، وكبح إيران، والعلاقة مع السعودية.
فالقضاء على التنظيمات المتطرفة سيظل في قمة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في عهد “بايدن”، حسبما يرى “داغر”، لكن وفق مقاربة عسكرية أكثر ذكاء، عبر محاربة تنظيمي “القاعدة” و”الدولة” من خلال الشركاء والوكلاء المحليين.
وعبر “بايدن” عن هذه الأولوية في مقاله بقوله: “بإمكاننا أن نكون أقوياء وأذكياء في ذات الوقت. هناك فرق كبير بين إرسال وحشد قوات عسكرية كبيرة ولمدى مفتوح وبين استخدام بضع مئات من القوات الخاصة والاستخبارات لدعم شركاءنا المحليين ضد عدونا المشترك”.
ويكشف هذا الجزء من مقال “بايدن” أنه لن ينشر أي قوات إضافية في الشرق الأوسط على الأرجح، بل سيستمر في سياسة ترقيق القوات الأمريكية التي بدأها “ترامب”.
أما في الملف الإسرائيلي، فيشير “داغر” إلى أن “بايدن” مصنف تقليديا بأنه واحد من أكثر الساسة الأمريكان تشددا في الدفاع عما يعتقده أمن إسرائيل؛ لذا فإن الفرح الذي أظهره كثير ممن يُسمَّون بأنصار “محور المقاومة” بفوز الرئيس الديمقراطي لا يبدو مبررا.
والأنباء الراشحة من حملة “بايدن” تشير إلى عدم وجود نية لدى الإدارة الجديدة للعودة عن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو القرار الذي كان يعتبره أنصار محور المقاومة أكبر دليل على انحياز إدارة “ترامب” لإسرائيل.
وفي أولوية “بايدن” الثالثة، يعتزم إعادة الحياة للاتفاق النووي مع إيران، وهو ما عبر عنه في مقاله: “كرئيس للولايات المتحدة، سأجدد التزامنا بالحد من التسلح في عهد جديد؛ حيث كان الاتفاق النووي الإيراني التاريخي الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما-بايدن قد منع إيران من الحصول على سلاح نووي. ومع ذلك، وبتهور شديد انسحب ترامب من الاتفاق؛ مما دفع إيران إلى إعادة تشغيل برنامجها النووي”.
وفي الملف السعودي كأولوية رابعة لدى إدارة “بايدن” يبدو واضحا أن المملكة نتنظر أياما صعبة، في ظل مواقف الرئيس الديمقراطي المعلنة ضد السعودية في ملفي حقوق الإنسان والحرب في اليمن.
وكان “بايدن” ذكر، في احدى المقابلات أثناء حملته الانتخابية، أنه سيجعل السعودية تدفع ثمن اغتيالها الصحفي “جمال خاشقجي”؛ لذا اعتبرت خطيبة الصحفي السعودي المغدور أن فوز “بايدن” هو هدية من السماء لتحقيق العدالة في مقتل خطيبها.
ومع ذلك، يتوقع “داغر” أن تكون سياسة “بايدن” السلبية تجاه السعودية أقل من طموحات منتقدي المملكة، استنادا إلى “واقعية” الرئيس الديمقراطي التي يؤمن بها، فضلا عن الدور المحوري الذي تقوم به السعودية الآن في تطبيع العلاقات بين دول المنطقة وإسرائيل وبناء تحالف جدي ضد إيران.