مرّت سنوات طويلة عجاف، على الاستحقاق الداخلي الفلسطيني المتعلق بالانتخابات التشريعية والرئاسية، دون أن يتم النزول عندها وتنفيذها، وذلك لأسباب مختلفة، كان منها مسألة الانشقاق الفلسطيني الداخلي بين القطاع والضفة الغربية والذي وقع منذ صيف العام 2007، وحدوث حالة من الازدواجية في البنى والمؤسسات والهياكل بينهما.
لكن، الآن، وبعد سنوات طويلة من الانقسام، والوضع الصعب الذي تَمُرُّ به السلطة الوطنية الفلسطينية والقضية الفلسطينية والحالة الفلسطينية عمومًا، فإنه غير مبرر على الإطلاق استمرار الانقسام أولًا، والقفز عن تنفيذ وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية ثانيًا، والتي باتت مطلبًا ملحًّا جدًّا يجب أن لا يتم تجاهلها. وصولًا لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني بين الداخل والشتات في مرحلة لاحقة.
فإجراء الانتخابات بشقيها التشريعي والرئاسي، وبمشاركة الكل الفلسطيني على أساس من النزاهة والشفافية، ومشاركة الجميع، سيؤسس بالضرورة لمرحلة جديدة في العمل السياسي الفلسطيني، مرحلة تكون فيها الشراكة الوطنية هي الأساس كي يمكن للجميع المساهمة بصنع القرار الوطني الفلسطيني كل بحسب وزنه ودوره وفعاليته على الأرض. فحالة التفرد والاستفراد من قبل أي طرف فلسطيني باتت مسألة غير مقبولة، لأن فلسطين أكبر من الجميع، وأكبر من أي فصيل مهما علا شأنه.
إن الحالة الصحية التي يسعى إليها عامة المخلصين في الحالة الفلسطينية، تفترض بالفعل بناء ووجود حالة من التكاتف الوطني العام، وعلى قاعدة التشاركية بالقيادة وبصناعة القرار، التي تضمن مشاركة الجميع بالعملية الانتخابية، كما تضمن استثمار أوراق القوة باليد الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، وهي أوراق مهمة وذات مفعول كبير لأنه ببساطة لا يُمكن لأي حل أن يُكتب له النجاح دون موافقة وإقرار الشعب العربي الفلسطيني، الموجود نصفه تقريبًا (نحو ستة ملايين ونصف المليون) على امتداد مساحة أرض فلسطين التاريخية، وهو ما يساوي أعداد اليهود على أرض فلسطين ما بين مناطق العام 1948 والمستعمرات المقامة فوق الجولان السوري المحتل والضفة الغربية المحتلة عام 1967.
لقد طال واستطال زمن الانقسام، وطال معه زمن التهتك الذي أصاب المؤسسات الوطنية الجامعة للكل الفلسطيني، وهو ما دفع الاحتلال الإسرائيلي للاستفادة من تلك الحالة لزيادة منسوب الضم والتوسع وتهويد الأرض، والهروب من استحقاقات عملية “التسوية” التي باتت منذ بدايات الانقسام الفلسطيني في سبات عميق، تحت دعاوى حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة منذ العام ما قبل العام 2007 بغياب “الشريك الفلسطيني”. وكانت تلك المقولة معزوفة “إسرائيلية” استعمارية ما زالت تترد حتى الآن، ومنذ ما قبل رحيل الرئيس ياسر عرفات رحمه الله.
إن الظروف الفلسطينية مهيأة تمامًا لتنفيذ استحقاق الانتخابات التشريعية والرئاسية، وكل أنظار الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقطاع تتجه إلى أصحاب القرار من قوى وفصائل للتقدم بخطوات ملموسة لإنجاز هذا الاستحقاق، وليفز من يفز، ما دام المعيار الرئاسي هو صندوق الاقتراع مع توافر النزاهة والشفافية، وتحت إشراف دولي وعربي محايد يضمن النزاهة في تنفيذ وإجراء الانتخابات إياها. وبعدها ولو بوقت قد يكون طويلًا يصبح المجال متاحًا والطريق معبدًا أمام انتخابات المجلس الوطني لمنظمة التحرير بمشاركة الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.
وعليه، إن مسألة الذهاب، وبقرار وطني جماعي إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية، والانتقال بعد فترة زمنية مناسبة لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير، والذي يمثّل الشعب العربي الفلسطيني في الداخل والشتات، يُعتبر قرارا يحمل في طياته بُعدًا استراتيجيًّا، وليس قرارًا تكتيكيًّا لخدمة فصيل أو حزب في الساحة الفلسطينية. فليذهب الجميع إلى البُعد الاستراتيجي، البُعد الذي يحمي القضية الوطنية الفلسطينية، ويمنع تدحرجها نحو مزالق الضياع، بما في ذلك حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، باعتبار أن قضية اللاجئين تُشكّل العنصر المهم في القضية الوطنية الفلسطينية، والذين أكدت الشرعية الدولية بقرارها الرقم 194 لعام 1949 على حقهم بالعودة، وهو القرار الذي ما زال حيًّا في أدراج الأمم المتحدة، ويتم التصويت عليه، وعلى حزمة القرارات المتعلقة بفلسطين سنويًّا دون اعتراض من أي طرف بما في ذلك دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي كان من شروط قبول عضويتها بالمنظمة الدولية عدم اعتراضها على جملة القرارات التي تلت نكبة فلسطيني ما فيها القرار 194.
الانتخابات المنتظرة في فلسطين / علي بدوان
9
المقالة السابقة