عروبة الإخباري..كتب سلطان الحطاب
سلطنة عُمان التي ورث سلطانها هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد تراثا سياسيا عابقا بالسيرة الطيبة والانجازات المقدرة ، مازالت على نفس خطى السلطان الراحل، وهي تتقدم بذلك على يد سلطانها المجدد في تواصل بين الاجيال وتحالف وثيق بالتاريخ الذي انبت مجد السلطنة وطبع مواطنيها باحترام الآخر..
وزير الخارجية السيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي ينقل للأمم المتحدة في رسالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد، التي تقول ان السلطان سيواصل السياسة الحكيمة للراحل الكبير السلطان قابوس بن سعيد “طيب الله ثراه” باني عُمان الحديثة ومهندس سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية على مدى الخمسين عاما الماضية…
السلطنة التي حاولت بعض الأطراف المتورطة في التطبيع المجاني أن تشوه صورتها، دافعت عن هذه الصورة ووضعت نقاطا على الحروف، وجاء ذلك جليا من خلال موقف جلالة السلطان الذي عبر عنه وزير الخارجية في كلمته أمام الأمم المتحدة فى قضية بدت متداولة و شابها الكثير من اللغط في انفضاض البعض عنها، او قلب ظهر المجن لها والتغاضي عن حقوق أهلها، بل والتذرع بخدمتها، فقد جاء كلام وزير الخارجية بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي واضحا “ان سلطنة عُمان جددت مساندتها المشروعة والعادلة للشعب الفلسطيني الشقيق بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على أساس القانون الدولي وقرارات مجلس الامن الدولي ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية التي تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام وحل الدولتين”.. اذن “قطعت جهيزة قول كل خطيب” كما يقولون، ولم يبق مجال لأي قراءة أخرى لموقف السلطنة غير هذه القراءة المقدمة في موقف الوزير الذي عبر عن موقف السلطنة والسلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد.
فالسلطنة بعد خمسين سنة من دبلوماسية نشطة هي.. هي، لم تتوقف عن حيادها الإيجابي وعن تأييدها للسلام الذي ظل بالنسبة لها عقيدة سياسية لم تبرحها… بل لقد حظيت السلطنة عبر مسيرة نصف قرن بتأييد عالمي متزايد نتاج قدرة السلطنة على توظيف قدراتها السياسية والدبلوماسية في وساطات ايجابية، اذ لم تكن طرفا في أي صراع ولكنها ظلت دائما تعمل وتساعد على تخفيف الأزمات وسحب فتيلها والعمل على إعادة تطبيع علاقات دول الاقليم كله.. وقد نجحت السلطنة في ذلك نجاحا ظل مشهودا به فكانت ثمار جهدها قد تعددت ولا مجال لسرد ذلك فقد أوردت ذلك بالتفصيل في مشروع كتابي عن الدبلوماسية العُمانية في نصف قرن…
عُمان اليوم هي هي، تدخل مرحلة التجدد ومواصلة الإقلاع رغم كل الظروف الصعبة ذاتيا وموضوعيا وهي توالي حرصها بدافع من مصالحها الوطنية كما تفعل في الأزمة اليمنية التي تشكل حالة غير مريحة في الخاصرة العُمانية، فقد دعت عُمان ومازالت تدعو الى الحوار والخروج من الأزمة اليمنية بحل سياسي يضمن لكل الشعب اليمني حقه في حكم نفسه والتمتع باستقلاله وثرواته ومقدراته وأمنه الوطني…
لم تغب عُمان عن المشهد العالمي الإقليمي، وظلت توظف فائض دبلوماسيتها في ذلك وتقدم صيغ من المشاركة النابعة من الحياد، كما ظلت تتميز في ذلك وتحديدا في مواقعها الإقليمية سواء في شراكتها في مجلس التعاون الذي لم تخرج عليه وفي نفس الوقت لم تتماهى في معطيات الإذابة والدمج ذات اللون الواحد …
وكانت حذرت من استعداء الأطراف فيه على بعضها البعض أو الاستقواء بأي طرف على طرف آخر عضو في المجلس…
وما زال المراقبون يذكرون المبادرة العُمانية الكويتية بخصوص الأزمة مع قطر، وهذه من اسهامات الراحل الشيخ “صباح الأحمد الجابر الصباح” أمير دولة الكويت رحمه الله والذي فجع الكثيرون لرحيله…
جاء صوت الخارجية العُمانية في الأمم المتحدة أمس الأول واضحا جليا في كلمة وزير الخارجية، فالسلطنة لم تغب وهي تقدم النموذج الأمثل لانتقال السلطة السلس
والمسؤول والذي أصبح نموذجا لدول افتقرت لذلك ودخلت في صراعات علنية أو خفية أو ابقت غسيلها غير النظيف طي الكتمان…
نعم نستطيع الآن وبسهولة كما كنا بحسن النية دائما ان نقرأ الموقف العُماني في القضايا الداخلية والإقليمية والعالمية، اذ ابقت عُمان في عهد سلطانها الجديد الابواب مشرعة على نفس المشاهد لتستكمل بذلك دورها وتعزز دبلوماسياتها…
فلا جمل معترضة ولا مواقف ممنوعة من الصرف ولا حشرجات او ارتباك ولا مجاملة حين تكون مصلحة الانسان العُماني فوق كل اعتبار…
اقلاع الدبلوماسية العُمانية يتواصل من نفس المدرجات ولنفس المحطات التي ظلت الدبلوماسية العُمانية تنجح في التعاطي معها… ومع اختلاط الاوراق والهزات الزلزالية التي تضرب المنطقة بالاستقطاب والخروج عن المألوف فإن ذلك لم يزعزع الموقف العُماني الذي يحترم مواقف سائر الدول ويحترم سيادتها، فقد حذرت عُمان وما زالت تحذر من استمرار اي خلاف اقليمي ومن تعطيل اي فرصة للسلام او مصادرتها وظلت تؤمن بالحوار مع مختلف الأطراف لأن الحوار الحقيقي. ينتزع اسباب التطرف والتعصب والانغلاق، ويؤسس لمحاور ظلت تلحق الأضرار بدول المنطقة وتعرضها للهيمنة والتبعية والتدخل الذي عانت منه المنطقة وما زالت تعاني كثيرا…
في عُمان الان جهد جديد منفتح بعلمية وموضوعية يضرب جذوره في التاريخ العُماني ويبسط اغصانه وفروعه في سماء المعاصرة والتعاون الدولي ، وفي عُمان استيعاب وهضم وإحاطة بالمتغيرات التي تتفاعل معها عُمان بأسلوب المصالح الوطنية وليس بأسلوب الهروب الى الأمام او القفز عن الوقائع او حرق المراحل..
سلطنة عُمان التي تشارك العالم في مواجهة وباء كورونا تضع عيونها على اقتصادها ايضا حتى لا تكون مواجهة الوباء فيها تضحية بالاقتصاد، رغم ان عُمان تولي حياة مواطنيها وسلامتهم والحفاظ عليهم كل اهتمامها كنهج مؤكد عمل عليه السلطان الراحل منذ البيان الاول للنهضة الصادر من صلالة والذي ما زال اثره وصداه قائمان حتى اليوم…
سياسة سلطنة عُمان… هي هي!!
10
المقالة السابقة