لنعترف جميعاً أنّ التعليم بشقيه العام والعالي قد أصيب بضربات عديدة خلال الفترة الماضية، وبخاصة التعليم العام الذي تعرض لضربتين قاسيتين، ومن تحت الحزام ، مما يجعلنا اليوم أكثر حاجة لأن نبدأ في عملية جراحية جادّة لعلاج العطب الذي أصاب التعليم مؤخراً، وللوقاية مما هو متوقع في ظل هذه الجائحة التي سيطول أمدها حسب التقديرات الأولية التي نشرتها منظمة الصحة العالمية، وتحسباً لأي ظرف طارئ قد يعطل هذا الحق الأساسي من الحقوق المدنية للإنسان.
فمع دخول العالم رسمياً منذ سنوات في عصر الرقمنة وثورة التكنولوجيا المتطورة، فإنه ينبغي التفكير الجدّي في التّحول الفعلي نحو رقمنة التعليم من خلال المراجعة الشاملة للمنظومة التعليمية الحالية ، وإعادة النظر في متطلبات المرحلة القادمة التي يرشح منها كثير من التّحولات التي قد تجعل التعليم التقليدي خياراً صعباً بالشكل الذي هو عليه الآن .
وتعرّف الرقمنة Digitization)) أنها عملية تمثيل الأجسام، الصور، الملفات، أو الإشارات باستخدام مجموعة متقطعة مكونة من نقاط منفصلة الكترونياً. ويعرّف التعليم الرقمي (Digital education)بأنه التعليم الذي يشمل مجموعة من التطبيقات والعمليات، مثل:استخدم الويب، جهاز الحاسوب،الهواتف الذكية، والصفوف الافتراضية من خلال شبكة الانترنت، وأشرطة تسجيل صوت وصورة، والبث عن طريق الأقمار الصناعية، والتلفاز التفاعلي، والأقراص المضغوطة.
وليس بالغريب على جيل الطلبة الحالي استخدام مثل هذه التطبيقات الرقمية التي أصحبت بمتناول اليد عند الجميع، وأحد أبرز سمات حياتهم اليومية، وهذا ييسر أمر بناء منظومة تعليم رقمية قادرة على مواجهة التحديات الطارئة والاختلالات التي قد تصيب هذا القطاع الحيوي في المجتمع، وتبقيه في مأمن بعيداً عن التجاذبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية مع ضمان ديمومته واستمراره دون انقطاع.
ويمكن في هذا الباب استثمار قواعد التعليم المدمج أو المتمازج( Blended Learning ) والبناء عليها بتخصيص مواد تعليمية لديها المقدرة على استيعاب شخصيات الطلبة وتراعي الفروق الفردية بينهم، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة إعداد مساحات تخزينية عالية جداً لاستيعاب الضغط على الشبكة العنكبوتية دون انقطاع، وإيجاد آلية تفاعلية بين المعلم والمتعلم تخوله الإجابة على استفساراته وتساؤلاته بعيداً عن التلقين.
كما ينبغي إعادة الألق لمادة الحاسوب وتطوير المنهاج والمحتوى الخاص بها لتستوعب التطبيقات التعليمية المعاصرة، وضرورة تشكيل فريق محوري من معلمي الحاسوب وقيّمي المخترات الحاسوبية لتدريب المعلمين والطلبة على المهارات المتقدمة في استخدام هذه التطبيقات من خلال الأجهزة اللوحية الذكية كبديل عن الكتب الورقية ضمن آليات وبرامج نوعية تعزز مهارات الجميع بمن فيهم أولياء الأمور من خلال برامج محو الأميّة الرقمية.
مهما يكن من أمر، فإن خيار التحول الرقمي يفرض نفسه بقوة كبيرة اليوم، ولدينا ما يشجع على الاستمرار في تطوير العمل للوصول إلى الهدف المنشود، الأمر الذي سيحقق أهدافاً وطنية استراتيجية كبيرة جداً إذا ما بدأنا هذه الخطوة المتقدمة كخيار استراتيجي، فالتعليم الرقمي وعمليات الرقمنة هي من متطلبات الثورة التكنولوجية الرابعة التي ينبغي علينا الولوج إلى عوالمها بكل ثقة واقتدار؛ لذلك فإن رقمنة التعليم فرصتنا الأخيرة لتحقيق هذه الغاية.