عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
رأيناهم يهربون باتجاه الأجنبي.. باتجاه عدو الأمة ، لأنهم لا يثقون بشعوبهم التي كانت مهمتهم قمعها والتنكيل بها وحكمها بالحديد والنار، فهذه الدول العربية التي نشأت ورفعت أعلامها بشهادات ميلاد خارجية تبني جيوشها للدفاع عن كراسي حكامها، وليس عن ترابها الوطني المستباح والمباع لكل أجنبي..
بعضهم عصابات حاكمة يقطرون معهم منتفعين، يصفقون لهم ويزورون ارادة شعوبهم التي نربأ بها عن الدنيّة حتى وإن مُنعت ان تقول رأيها وحُجر عليها..
بعض هؤلاء الحكام هم احتياطي لإسرائيل في بلدانهم، بل ان بعضهم أنكى و اشد قبحاً ..
لقد ظلوا لسنوات طويلة يتغطون بالقميص الفلسطيني ويتاجرون بقضية الشعب الفلسطيني، ويزايدون على الفلسطيني حتى وهم يطاردونه ويسجنونه ويمنعونه من التعبير عن حبه لوطنه، طاردوا الفلسطينيين في عواصمهم وحتى خارج عواصمهم، وكانوا أذرعة لإسرائيل يحققون لها ما تخطط له، ولذا كانت اجهزة أمنهم وباسم الحفاظ على القضية اشد فتكاً من أجهزة العدو الاسرائيلي، لم تكن هذه القطريات العربية في معظمها تؤمن بقضية الشعب الفلسطيني، فقد كانت تفصل بين القضية وبين الشعب الفلسطيني، فتدّعي انها تخدم القضية ومع القضية في حين كانت ضد أماني الشعب الفلسطيني وضد دعمه وتمكينه.. بل كانت غالبا ما تتآمر عليه، وتبيع قضيته لخدمة اهدافها وهذا ما حدث حين قايض السادات الحقوق الفلسطينية باسترجاع سيناء وغيّب الفلسطينيين عن الاجتماعات وتحدث باسم فلسطين، في حين طعن قضيتهم.. وهذا ما قاله الرئيس “كارتر”: انه لا أحد من الحكام العرب الذين كان يلتقيهم يحدثه عن ضرورة اقامة دولة فلسطينية، فقد ظل كثيراً من هؤلاء الحكام العرب و منذ فجر الصراع على القضية الفلسطينية وصدور “وعد بلفور” يأخذون بالتوجيه الصهيوني وهو الفصل بين القضية وشعبها، وأيضا عدم تمكين الشعب الفلسطيني من ان تكون قيادته منه ومن اختياره، “وهذا ما يحاولون فعله الآن ايضا”، ولذا خاض الشعب الفلسطيني معاركه التي قدم فيها الكثير من اجل استقلال القرار الفلسطيني الذي ولد بولادة “حركة فتح” بعد ان مهدت منظمة التحرير الطريق رغم ولادتها من رحم النظام العربي وبرغبة من بعض اطرافه..
ظلت الصهيونية فيما تؤمن به تقفز عن اسم فلسطين وشعبها، وفعلت الدولة المستعمرة بريطانيا في “وعد بلفور” كذلك، حين اعطت في الوعد وطناً لليهود ولم تذكر الفلسطينيين بل اسمتهم “الطوائف غير اليهودية” تارة والأهالي تارة اخرى، وكأنهم وافدون الى فلسطين وليس شعبها الاصيل، وقبل حكام العرب ذلك حين كانت بريطانيا في صك الانتداب ومن بعده في مؤتمر المائدة المستديرة عام 1938 تنيب حكاماً عرب ليتحدثوا باسم الفلسطينيين بدل شعبها وقياداته..
ان مسلسل خيانة القضية الفلسطينية على يد بعض الانظمة العربية كان مبكرا و منذ نشوء القضية، واي قراءة في الوثائق والارشيف وحتى في كتب الرئيس محمود عباس تكشف عمق هذه الخيانات والمراسلات والمساومات والأثمان التي كانت تدفع على حساب القضية الفلسطينية لتبرير استمرار انظمة عربية أو قبول تأهيلها..
كانت بريطانيا تقول للحكام العرب ان اي مؤتمر يفشل ان حضره الفلسطينيون او دُعي اليه منهم من يمثلهم، ولذا عليكم كنظام عربي ان تمثلوا الفلسطينيين.. ومن هنا كانت كلفة القرار الفلسطيني المستقل الذي يثبت الآن اهمية استقلاله، باعتباره مسلح بإرادة شعبه، في الوقت الذي كانت تُفرّط انظمة عربية عديدة بالحقوق الفلسطينية، وقد كان يخرج علينا احيانا من يعيب على الفلسطينيين دعوتهم لقرارهم المستقل، باعتبار ذلك عند البعض نزوع للقطرية وخروج عن الدعوة القومية، دون ان يدرك القائلون بذلك والذين ما زال بعضهم “يلوك” هذه التعبيرات التي لا معنى لها.. فالفلسطينيون هربوا من مصادرة الانظمة العربية لقرارهم لأن شعوب الامة ما زالت لا قرار لها عند انظمتها، وهي غير قادرة على انفاذ إرادتها او حتى تمثيل نفسها.. تصوروا لو ان القرار الفلسطيني لم تجر زراعته على يد فتح عام 1965 وبقي رهين الجامعة العربية ومشاريعها او بيد نظام مصر او سوريا او اي نظام عربي اخر، فماذا كان يحدث؟!
لقد اخترقت الصهيونية النظام العربي مبكراً، فقد كان استقلال الكثير من القطريات العربية لا يعدو خرقة “علم” و بساط احمر، مقابل ان يكون الزعيم في البداية “غفيرا” على بئر النفط “الكاز” يأتي الى غفارته بالناقة ثم أصبح يأتي بالسيارة ثم بالطائرة، وزادت الاموال التي كانت تشتري الاسلحة لمحاربة الشعوب العربية وليس لعدو هذه الشعوب، وهذا ما نراه اليوم ماثلا في الحرب على اليمن وليبيا وسوريا وغيرها، وهناك انظمة جُندت لتحارب كل ما هو اسلامي او وطني او قومي لإرضاء من صنعوها، بل ان هناك مدن نشأت كالفطر متمتعة باقتصادي على شكل طفرات سمي باسم شيوخها وحكامها، وهم لا يملكون حتى امكانية حماية ذلك، بل استمر دورهم كنواطير الكاز حين كانوا يحرسون آبار النفط بداية ، وهذا التقدم في الخليج الآن لا يستطيع اهله ان يحموه بجهودهم، وكأنه ليس ملكهم وان كانوا يتصرفون وكأنهم المالكون في حدود منفعة صاحب المشروع..
هؤلاء الحكام لا يملكون القدرة في الدفاع عن اوطانهم، وهم برسم المناداة عليهم ممن صنعهم، ولذا تقاطروا الى نداء الرئيس ترامب الذي هددهم برحيل قواته هن حمايتهم، واخافهم من الخطر الايراني ورشح لهم البديل الاسرائيلي، الذي قبلوه وناموا في فراشه “نوم ليلى في فراش الذئب”، ووصل بهم العهر والفجور ان دافعوا عن الرواية الاسرائيلية وكرروا سردياتها التي يخجل منها كثير من الاسرائيليين الذين لم ينطل عليهم افعال الندّابات ..
أيها الرجل الشجاع.. يا أبا مازن لقد ذهبوا ليرتموا في حضن عدو الامة ليحميهم، وهو لن يفعل لهم اكثر من كشفهم والاتجار بمواقفهم ، فلو كانت المعاهدات مع اسرائيل تنفع لنفعت مصر والاردن وكل من وقع معها.
في الضغط الشديد الذي ادارته الولايات المتحدة كُشفت حقائق، فقد ذهبت هذه الانظمة للرذيلة وجاعت غير الحرة وأكلت بثدييها.. وأنت أيها الصابر الصامد المؤمن بالأمة وحقوق شعبك توجهت لتجمع شتاته الذي مزقوه بتدخلاتهم، ولم تجبن أو تتراجع، فجلست مع الجميع ودعوت الجميع من حماس والجهاد والقيادة العامة وكل فصائل العمل الوطني والاسلامي.. لقد كنت شجاعا لأنك تعيش وسط شعبك وتُحرضه على الصمود وعلى معرفة مصالحه، ولأنك لا تستبدل ترابه الوطني او مقدساته بكل مال العالم ومناصبه..
هذه ليست المرة الأولى وقد لا تكون الاخيرة التي يطعن فيها النظام العربي القضية الفلسطينية ويتآمر عليها، فقد طعنها من قبل مراراً، ولا تستطيع مقالة كهذه او حتى عشرة منها أن تتبع وقائع ذلك، ولكني سأنشر دراسة واسعة بالوثائق تكشف تآمر النظام العربي على القضية الفلسطينية ودوره كذراع للحركة الصهيونية وانفاذ مخططاتها..
لقد تآمروا منذ “وعد بلفور” و مؤتمر فرساي، واغفلوا ذكر فلسطين وتركوها للحركة الصهيونية ليواجه الفلاح الفلسطيني منذ عام 1882 بدايات الاستيطان الذي امتد بعضه آنذاك الى شرق الاردن ، وكان لصمود هذا الفلاح واستبساله كل الأثر في استمرار شعلة الكفاح الفلسطيني حتى اليوم.. ففي عام 1929 كانت ثورة البراق وشهداؤها ولم يكن للنظام العربي دور، وكانت ثورة عام 1936 التي طلب فيها النظام العربي من الشعب الفلسطيني وقيادته انذاك ان “يخلدوا” الى حسن نوايا الصديقة بريطانيا.. وحتى في مؤتمر لندن جرى تغييب الفلسطينيين وحضر ممثلو الانظمة العربية، التي كانت بريطانيا توصلهم الى كراسيهم مقابل ذلك، ولا تسمح لهم باستمرار ذكر القضية، التي لا تعني في فهمهم الشعب الفلسطيني،وهذا ما يجري اليوم ايضا ولكن بتوجيه امريكي..
لقد قايض النظام العربي الذي تمثله الجامعة العربية الشعب الفلسطيني على حريته واستقلاله، وحقه في اقامة دولته، وكان قرار الجامعة الأخير بطعن أمانيه، وركوب الموجه لإعلان الولاء للإدارة الاميركية وحليفها الاسرائيلي .
لقد كانت الأنظمة العربية تطأطئ الرأس يوم الكرامة بدل أن ترتفع فوق الهزيمة، وكانت بعد ذلك تتآمر على ثورة الشعب اللبناني وخياراته في كل مراحل مقاومته أيضاً، فقد احترفت بعض الأنظمة العربية محاربة أي حركة تحرر عربية أو أي شكل من أشكال المقاومة، ولذلك أبدعوا في محاربة المظاهر الايجابية للربيع العربي بل وعملوا على اسقاط بعض الأنظمة العربية التي لم تكن اسرائيل وأمريكا تريدها.
ما زلنا نتذكر مؤتمر القمة العربي في مصر، والذي اتخذ قرار محاربة العراق وعمل مع الأمريكيين والاسرائيليين لإسقاط النظام العراقي عام 2003، وما زلنا نتذكر الرئيس حسني مبارك وهو يُعدد بفخر أسماء الدول التي تلوثت قرارات حكامها بقتل العراق .
هذا النظام العربي الذي تمثله الجامعة العربية دمر العراق واليمن وسوريا وليبيا، لأن متخذي القرار في الجامعة العربية تحولوا الى سماسرة للولايات المتحدة واسرائيل ، يدافعون عن مصالحها مقابل حمايتهم من شعوبهم وتمكينهم من البقاء في حكمها..
نفس القرار يتخذ الآن حين يتخلون في الجامعة العربية عن القضية الفلسطينية ويبيعونها لمن يدفع أكثر من حكام الخليج، والغريب أن تقبل دولة كبيرة مثل مصر أن تقاد من دول هامشية صغيرة باسم المال..
هذه هي الجامعة العربية على حقيقتها منذ أسست و قد تغطت بأغلال شفافة، ولكنها اليوم تسقط في مستنقع التآمر، ليجف الماء و تظهر الطحالب والزواحف والحشرات السامة.
الشعب الفلسطيني الذي اعادوا طعنه وتمثيل الجريمة المرتكبة بحقه مرة اخرى لن يهزم وستتحطهم على صخرة صموده كل هذه المؤامرات الدنيئة، فقد اصبح خبيرا في كشفها ومعرفتها و عبر محطات كثيرة من حياته النضالية..
بعض هذه الانظمة هي من شرعت للاعتراف باسرائيل وظلت مهمتها جلب قيادة الشعب الفلسطيني للتفاوض، ونذكر هنا بقرار242، وأيضا هم من صنعوا مؤتمر فاس 1974 ونقاطه الخمس، وأيضا هم من صنعوا المبادرة العربية التي “لحسوها” الان وانقلبوا عليها في الجامعة العربية بالأمس، ولم يدافعوا عنها، وذهبوا لاحتضان صفقة القرن وخطة الرئيس ترامب لتصفية القضية الفلسطينية..
لم يفعلوا شيئا حين منعت اسرائيل الرئيس عرفات من حضور مناقشة الخطة العربية في مؤتمر القمة في بيروت عام 2002، ولم يفعلوا شيئا حين ضم ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، وحين دعم حكومة اليمين الاسرائيلية لضم 30 % من مساحة الضفة الغربية..
وفي الوقت الذي تقف معظم دول العالم في وجه السياسات الامريكية المتخبطة ازاء القضية الفلسطينية، وهذا ما يتمثل في الموقف الأوروبي تركض بعض انظمة المسخ العربية لتؤيد سياسة ترامب وتشجعه على مصادرة حقوق شعوبها..
هذه طعنة اخرى في الظهر الفلسطيني الذي لم يحاسب هؤلاء الخونة، لأنه ينصرف الى مواجهة عدوه، وهم يريدونه ان يشتبك مع هذه “الحثالات” التي يحيلها الشعب الفلسطيني الى شعوبها لتحاسبها على جرائمها ان عاجلا او اجلا …
هؤلاء الذين يذهبون الى “مغارة الضبع” بأقدامهم ويسلمون “لحاهم” لعدو أمتهم لا يقرأون التاريخ، ولا يعتبروا منه منذ “ابن العلقمي” الذي أدخل المغول الى بغداد، ومرورا بكل المؤامرات التي لم تعط في نتائجها شاه ايران مكافأة نهاية الخدمة، ولا لحسني مبارك الذي خدم كثيرا وفي النهاية ألقوا به ليأتوا بغيره ممن يقدم لهم أكثر..
انها صفحات بائسة من التاريخ العربي تكتب الآن، تذكر بوضع الأمة عشية قدوم صلاح الدين،حيث كانت عشرات “الممالك” المتحاربة في وجه وتذكر بسقوط ممالك الاندلس بسبب الخيانات المتعددة، وهذا ما يتكرر اليوم، لكن فلسطين التي لم تستطع الصهيونية احتلال ارادة شعبها هي من ستحرر هذه الامة وتدفعها للنهوض من استكانتها، لأن الشعب الفلسطيني ما زال الوحيد الذي فشلت الصهيونية في انتزاع ارادته اخضاع قيادته فذهبت تبحث عن حل في العواصم العربية لتأتي لهم بالاستسلام الفلسطيني!!