عروبة الإخباري – تتوجه الأنظار، اليوم الثلاثاء 15 سبتمبر/أيلول 2020، صوب البيت الأبيض، حيث من المقرر أن يترأس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توقيع “اتفاقيات التطبيع” التاريخية بين إسرائيل واثنتين من الدول الخليجية التي قد تستهل تحولاً جذرياً في ديناميات القوى في الشرق الأوسط وتعطي ترامب دفعة إيجابية قبيل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، وفق ما ذكره تقرير وكالة Associated Press الأمريكية.
في مراسم في البيت الأبيض تهدف لاستعراض الحنكة السياسية لترامب، سيستضيف الرئيس أكثر من 700 ضيف اليوم الثلاثاء، في الحديقة الجنوبية، لحضور توقيع الاتفاقيات بين إسرائيل والإمارات والبحرين. ويأمل ترامب وحلفاؤه أن تُصقِل هذه الاتفاقيات صورته باعتباره صانع سلام في ذروة التنافس على ولاية رئاسية أخرى.
“اتفاقيات إبراهيم”: سيُوقِّع رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزيرا خارجية الإمارات والبحرين الاتفاقيات أمام الضيوف، الذين يشملون ممثلي دول داعمة من البعثات الدبلوماسية في واشنطن وكذلك من الخارج. ودُعِي للحضور كذلك بعض النواب الديمقراطيين في الكونغرس الذين أيَّدوا تلك التحركات بصمت.
قال مسؤولون إنه بالإضافة إلى الاتفاقات الثنائية الفردية التي وقعتها إسرائيل والإمارات والبحرين، ستوقع الدول الثلاث على وثيقة ثلاثية. وأُطلِق على الاتفاقيات اسم “اتفاقيات إبراهيم” نسبة إلى نبي الله إبراهيم أبي الديانات التوحيدية السماوية الثلاث في العالم. ومن المتوقع أن يوقع ترامب بوصفه شاهداً.
لا تنهي هذه الاتفاقات حروباً نشطة، بل تضفي طابعاً رسمياً على تطبيع العلاقات الدافئة بالفعل بين الدولة اليهودية والبلدين. وعلى الرغم من عدم تناولها للصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي طال أمده، فقد تُمهد الطريق لتقارب عربي إسرائيلي أوسع بعد عقود من العداء، وحربين، واتفاقي سلام سابقين.
شكوك حول جدوى الاتفاقيات: لكن على الجانب الآخر، أعرب العديد من المراقبين والمحللين والخبراء المخضرمين في شؤون الشرق الأوسط إضافة لمسؤولين سابقين، عن شكوكهم بشأن مدى تأثير تلك الاتفاقيات، وأعربوا عن أسفهم لتجاهلها الفلسطينيين، الذين رفضوها واعتبروها طعنة في الظهر من إخوانهم العرب.
مع ذلك، فحتى أشد المنتقدين لها يرون أنها قد تُحدِث تحولاً جذرياً في المنطقة إذا حذت دول عربية أخرى، ولا سيما السعودية، حذوها، يُضاف لذلك انعكاسات الاتفاقيات على إيران وسوريا ولبنان. ومن الدول العربية الأخرى التي يُعتَقَد أنها على وشك الاعتراف بإسرائيل: عمان والسودان والمغرب.
ما الذي تتضمنه الاتفاقيات؟ بيد أنَّ المحتويات المحددة للوثائق الثنائية التي ستُوَقَع اليوم الثلاثاء لم تكن معروفة قبل الحفل. وفي حين قال المسؤولون إنهم سيلتزمون عن كثب بالبيانات المشتركة الصادرة عندما أُعلِن عن الصفقات لأول مرة، لم يتضح بعد ما إذا كانت الاتفاقات ستتطلب مزيداً من الإجراءات من الحكومات الثلاث أو ما هي الأحكام التي ستُلزِم الاتفاقيات كلاً من الثلاثة بإنفاذها.
فيما قال مسؤول كبير في البيت الأبيض، يوم الإثنين 14 سبتمبر/أيلول، إن الوثائق الخاصة بالاتفاقات استُكملت بالفعل، وإن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي سيكون أطول وأكثر تفصيلاً من الاتفاق الذي سيوقع مع البحرين، لأن الطرفين كان لديهما مزيد من الوقت لإتمامه. ومع ذلك، فقد أثار الافتقار إلى الوضوح الذي اتسمت به العملية، حتى قبل يوم واحد من الاحتفال، بعض الشكوك حول مدى ديمومة تلك الاتفاقات.
مخاوف إسرائيلية: حتى في إسرائيل، التي حظيت الاتفاقات فيها بترحيب واسع النطاق، برزت أيضاً مخاوف من أنها قد تفضي بالولايات المتحدة إلى الموافقة على بيع أسلحة متطورة إلى الإمارات والبحرين، وهو ما ترى بعض الأوساط الإسرائيلية أنه قد ينتقص من التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة.
في غضون ذلك، يواجه نتنياهو الذي يعيش وضعاً هشاً من الناحية السياسية انتقاداتٍ وأسئلة حول مدى ملاءمة ظهوره في حدث كبير كهذا، بعد أيام فقط من إعلانه إغلاقاً جديداً في البلاد للحدِّ من تصاعد حالات الإصابة بفيروس كورونا، وهو الإغلاق الذي يقتضي فرض قيود صارمة على التنقل والتجمعات. وقد حثَّ البيت الأبيض الحاضرين اليوم الثلاثاء 15 سبتمبر/أيلول على ارتداء أقنعة.
من سيمثل الإمارات والبحرين؟ على الجانب الآخر، وفي حين أن كلاً من الإمارات والبحرين لديهما تاريخ في قمع الرأي العام المعارض والانتقادات، فإن ثمة مؤشرات برزت على أن الاتفاقات كانت أقل شعبية وترحيباً بكثير مما كان عليه الحال في إسرائيل، وليس أدل على ذلك من أن أياً من الدولتين لن ترسل رئيسها أو رئيس حكومتها لتوقيع الصفقات مع نتنياهو.
إذ كانت جمعية “الوفاق” البحرينية، أكبر جماعة معارضة يهيمن عليها الشيعة في البحرين، والتي أمرت الحكومة بحلها في عام 2016 في غمار حملة قمع استمرت لسنوات ضد المعارضة، قالت في بيان لها إن هناك رفضاً واسع النطاق في البلاد للتطبيع.
كما أكدت الوفاق في بيانها أنها تصطف إلى جانب بقية الشعب البحريني الذي يرفض رفضاً تاماً وقاطعاً اتفاق تطبيع العلاقات مع “الكيان الصهيوني”، كما انتقدت الحكومةَ لسحقها أي رغبة من الجمهور في الإعلان عن رأيه “لإخفاء حجم السخط والرفض العارم” للاتفاق والتطبيع.
غياب محمد بن زايد: أما فيما يتعلق بالإمارات، فقد انتشرت تكهنات بأن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه القائد الفعلي للبلاد ومسيّر شؤونها اليومية، علاوة على كونه مهندس الجهود الإماراتية لتحسين العلاقات مع إسرائيل، سيتغيب عن حضور حفل التوقيع.
مع أن البروتوكول الإماراتي يقضي بإيفاد وزير الخارجية، وليس ولي عهد إمارة معينة، لتمثيل الدولة بدلاً عن رئيسها [الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان]، الذي نادراً ما شوهد علناً منذ إصابته بجلطة دماغية قبل أكثر من ست سنوات، فإن هناك تكهنات بأن ولي عهد أبوظبي الأمير محمد بن زايد لن يحضر المراسم في البيت الأبيض لأسباب سياسية.
هذه الأسباب قد تكون رغبته في ألا يُرى وهو يلقى الكثير من دعمه خلف ترامب قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تظل النتيجة فيها غير مؤكدة. كما أنه في حين أن حفل التوقيع في البيت الأبيض يقدم لترامب ونتنياهو انتصاراً سياسياً، فإن الأمير محمد لا يواجه ضغوطاً بشأن إعادة انتخابه ولا احتجاجات في الداخل ضده.
علاوة على ذلك، فإن الإماراتيين قد يخشون الظهور على نحو مقرب أكثر من اللازم من نتنياهو، الذي أعلن في أغسطس/آب معارضته لبيع طائرات مقاتلة أمريكية من طراز “إف 35” F-35 إلى الإمارات.
بينما قالت الإمارات إن عدم المضي قدماً في خطط ضم المستوطنات في الضفة الغربية هو أمر أساسي في الاتفاق، أصرَّ نتنياهو علناً على أن الضم معلقٌ ويبقى مطروحاً على الطاولة.