تمضي السلطنة قدماً بثقة نحو تحقيق رؤيتها مُتخذة من منجزات خمسة عقود سنداً وقاعدة صلبة. ومن بين أعظم مكتسبات المرحلة المنصرمة هو الإرث الدبلوماسي والمكانة المرموقة للسلطنة بين الأمم، والتي من شأنها وبحسب أحدث أدبيات التنمية أن تكون أداة فاعلة توفر العناصر المفقودة في مُعادلة التنمية المحلية كرؤوس أموال، والأسواق والتكنولوجيا والمعرفة وغيرها. ولا يخفى على الجميع كيف أن العولمة مكنت العديد من الدول التي تفتقر إلى أبسط مقومات النجاح والموارد من تحقيق قفزات تنموية من خلال قدرتها على ربط عناصر القوة والموارد المحلية بالعالمية وذلك من خلال دور دبلوماسي مفعم بالنشاط لفتح الأسواق للمنتجات المحلية واجتذاب الاستثمارات الأجنبية وربطها بالاستثمارات المحلية للقيام بصناعات مختلفة واجتذاب التكنولوجيا والمعرفة والعقول القادرة على تعظيم الاستفادة من الموارد والتعامل بأحدث الوسائل والتكنولوجيا لإطلاق قاطرات الإنتاج في قطاعات التنويع المختلفة والتي تمتلك السلطنة فيها مزايا نسبية كقطاعات الأسماك والتعدين والصناعات البتروكيماوية على سبيل المثال، لا الحصر. وكذلك اجتذاب التكنولوجيا للتعامل مع تحديات ندرة المياه والزراعة والثروة الحيوانية وغيرها.
ولا يخفى الدور الإيجابي الذي لعبته السلطنة في الحفاظ على استقرار المنطقة من خلال دورها كوسيط متوازن وموثوق في البيئة الجيوسياسية الإقليمية والعالمية. والجميع على يقين من قدرة عُمان على مواصلة لعب هذا الدور في المستقبل. ومن متابعتنا يتضح أنَّ الكثير من القوى المُؤثرة كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها من القوى تؤمن بأن تظل عُمان قادرة على ممارسة دورها الاستراتيجي كبوابة دبلوماسية وصمام أمان وبوابة التفاوض والحوار الموثوق به في المنطقة الأمر الذي لن يتأتى بدون قدرة عمان على التغلب على التحدي الاقتصادي والمالي. وتنظر عواصم العالم إلى مسقط كشريك استراتيجي وقوة ناعمة في المنطقة وهذا يتيح لنا العديد من الفرص لنسج جسور التعاون وترجمته إلى نجاحات على مختلف الأصعدة. الأمر الذي لن يحدث تلقائياً ويجب علينا الأخذ بالأسباب.
وهنا نتطلع إلى تعظيم دور الدبلوماسية العمانية وخاصة في الجانب الاقتصادي والاستثماري والتجاري لفتح الأبواب وتسهيل الاستفادة من القوة الناعمة والأخذ بالأسباب لاستكمال ما ينقصنا من عناصر ضرورية من خلال تعزيز مبدأ المنفعة المتبادلة التي باتت محركا أساسياً في العلاقات الدولية، والحديث هنا عن فوائد مشتركة وفتح أسواق وتدفق سلع واستثمارات وتجارب وخبرات فالسوق العُماني لديه إمكانيات هائلة لم تستغل بعد لن نتمكن من استغلالها بالكامل ضمن السياق الراهن.
ولتحقيق التحول المنشود وتوظيف رصيد القوة الناعمة والنجاح الدبلوماسي العماني فإنَّ الأمر يتطلب بالضرورة التركيز على الجانب الاقتصادي، بما في ذلك جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وفتح أسواق جديدة لزيادة معدلات تصدير المنتجات الوطنية، وتوفير المعلومات عن المُواصفات القياسية وكيفية التغلب على العقبات في الأسواق المستهدفة. وتتضمن المهام الاقتصادية الرئيسية للسفارات العمانية بالخارج، وعبر ملحقياتها التجارية، توفير التوجيه للمستثمرين الأجانب المحتملين، من خلال استعراض موجز لأداء الاقتصاد، وتسليط الضوء على الفرص الاستثمارية والقطاعات الواعدة. وينبغي أيضًا أن تستهدف التوازن التجاري في ضوء المزايا والحوافز. كما تعد الشركات الرسائل الإعلانية عبر وسائل الإعلام الرئيسية داخل البلدان التي تغطيها من أجل تشجيع الصحافة على إظهار الفرص الاستثمارية المختلفة في سلطنة عُمان، بالإضافة إلى تنسيق الاجتماعات وإيجاد نقاط اتصال بين المسؤولين الحكوميين والمستثمرين المحتملين.
ويتمثل أحد الأدوار الحيوية للسفارات في جمع المعلومات والبيانات عن الأسواق الموجودة في البلدان المستهدفة واستكشاف الفرص المُتاحة في تلك المواقع. يجب أن تشمل هذه المعلومات ظروف العمل والمُواصفات القياسية وكيفية التغلب على العقبات المحلية في تلك الأسواق. وإضافة إلى ذلك، يجب أن تسعى السفارات للتعرف على التجارب الناجحة التي يمكن تطبيقها في السلطنة ضمن السياق المحلي، علاوة على دورها في تعزيز التبادل التجاري بهدف زيادة الصادرات من السلع محلية المنشأ وخفض تكلفة الواردات، من خلال تحليل هيكل الواردات والصادرات الثنائية، وإنشاء نقاط اتصال بين المصدرين والمستوردين المحتملين في عُمان. ومن شأن الحضور الفاعل في المعارض التجارية والمؤتمرات الاقتصادية، فضلًا عن إيجاد اتصال مع غرف التجارة والصناعة ومجموعات الأعمال في تلك البلدان، أن يساعد على توليد الفرص لعُمان. ومن الممكن أن يتم إنشاء مكاتب لتشجيع الاستثمار في بعض سفاراتنا في الدول الواعدة بهدف التعريف بالبيئة الاستثمارية العُمانية والمزايا النسبية والتنافسية للقطاعات الاقتصادية ذات القيمة المضافة العالية وترويج فرص الاستثمار المتاحة فيها، إضافة إلى تقديم كافة التسهيلات للمستثمرين المهتمين بالاستثمار في السلطنة من خلال تسهيل تنظيم زياراتهم وتسهيل المشاركة في الأنشطة الاقتصادية التي تعقد في السلطنة ومتابعة استثماراتهم بعد قيامها.
وفي سياق رؤية عُمان 2040 يظهر جلياً الزخم الكبير والتركيز على الاندماج والتعاون الدولي كتوجه استراتيجي لتحقيق أهدافها ولا شك أنَّ تعظيم الاستفادة من المنجزات والجاهزية والموارد المتاحة يحتاج إلى دور دبلوماسي وبعد دولي فاعل فالمتعاملون من العالم الخارجي هم أبرز الفاعلين في أي عملية تنموية فمنهم الموردون ومنهم المصدرون ومنهم المستثمرون ومنهم السياح وغير ذلك من شرائح مهمة في خلطة التنمية. وأنا على يقين والكثيرون يتفقون معي أن المرحلة القادمة تحتاج إلى دبلوماسية عمانية بفكر متجدد وأدوار نوعية مختلفة باختلاف مرحلة النمو وتحدياتها الاقتصادية ولا مناص من العمل بشغف ومسؤولية لمد جسور التعاون الدولي واجتذاب رؤوس الأموال والتكنولوجيا وفتح الأسواق بما ينعكس على زيادة الاستثمارات المحلية وتوسيع القاعدة الإنتاجية وخلق فرص عمل لأبناء هذا الوطن المعطاء.
وختاماً فإنَّ معركة الإنعاش والتحفيز الاقتصادي وصناعة المستقبل المشرق لعُمان تتطلب جسارة وأدوات نوعية مختلفة ولا جدال في أهمية توظيف رصيد القوة الناعمة والنجاح الدبلوماسي العُماني المنقطع النظير كأداة مهمة تعظم من استغلال الموارد المُتاحة لتجاوز التحديات الاقتصادية وصناعة المستقبل، ولابد هنا من تضافر الجهود والعمل الدؤوب والاستفادة من تجارب الآخرين بما يتناسب مع الأوضاع المحلية ومتطلبات التنمية.