انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين نموذج لتفويض موجه لأهالي الأطفال في سن معينة يطلب منهم الموافقة على إعطاء أطفالهم مطعوما ما، وأعاد هذا الكتاب الى الواجهة الجدل حول نجاعة وسلامة المطاعيم، وقد تفاعل الكثيرون مع هذا الموضوع وظهر ترند على هذه الوسائل يرفض المطاعيم بحجة أن «أولادي ليسوا حقل تجارب».
إذا ما تجاوزنا الخطأ الذي وقع فيه صائغو الكتاب من خلال إغفال ذكر نوع المطعوم الذي يقصدونه، فإن المطاعيم تبقى التدخل الصحي الأهم في تاريخ البشرية، حيث تم بواسطتها القضاء على العديد من الأمراض المعدية أو التخفيف من مدى انتشارها ومن حدتها إنقاذ حياة ملايين البشر، لكن يبدو أن هذه المطاعيم قد وقعت ضحية نجاحاتها، حيث ان الأجيال الحالية لم تخبر هذه الأمراض ونتائجها المدمرة فأصبحت تشكك في جدوى وسلامة هذه المطاعيم.
هذا التشكيك وتبني نظرية المؤامرة في التعامل مع المطاعيم ليس حكراً على دولة أو ثقافة ما، فقد أصبح شائعًا في معظم الدول فقيرها وغنيها، ومتقدمها ومتخلفها، وهذا ليس أمراً مستجداً فقد كان هناك من يشكك في جدوى وسلامة المطاعيم عند ظهور أي منها ومنذ القرن الثامن عشر لكن الذي أعطى زخماً جديداً لهذه الحركات ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وحلولها مكان الإعلام التقليدي الذي كان يتميز ببعض المصداقية والحرفية في تقصي الأخبار ونشرها على عكس وسائل التواصل الحديثة التي أتاحت لكل صاحب هوى فرصة تاريخية للوصول إلى أكبر عدد من المتلقين خلال وقت قصير وبث ما هب ودب من الأخبار دون ضابط أو رادع.
فمن خلال جولة على بعض مواقع التواصل نجد أن الفيديوهات التي تتبنى نظرية المؤآمرة وتشكك في نجاعة المطاعيم تحظى بعدد مشاهدات وإعجاب كبيرين على اليوتيوب مقارنة بالفيديوهات التي تناقش الموضوع بعلمية.
وهذا ينسحب أيضاً على الفيسبوك وتويتر حيث تحظى الصفحات التي تتبنى موقفًا رافضًا ومشككًا في المطاعيم بنسبة متابعات وإعجاب ونقل عالية .
ومما زاد الطين بلة دخول بعض الساسة المثيرين للجدل على الخط بغية كسب الشعبية وصرف أنظار الناس عن مشاكلهم الحقيقية، حيث نقلوا النقاش حول هذه القضية من أروقة قاعات المؤتمرات العلمية الرصينة الى المؤتمرات الصحفية البهلوانية مما أعطى المشككين زخماً جديداً لتنفير الناس في هذه المطاعيم.
لقد بدأنا نشهد مؤخرا نتائج هذه الحملات التي تتبنى نظرية المؤامرة في تفسير الأوبئة واللقاحات المضادة لها من خلال إنخفاض نسبة أخذ المطاعيم في كثير من الدول، ففي المملكة المتحدة مثلًا انخفضت نسبة الأطفال الذين تلقوا المطعوم الثلاثي الى 87 ٪ علمًا أن النسبة المطلوبة لتحقيق مناعة مجتمعية تبلغ 95 ٪، كما تشير الأرقام الى عودة أمراض الحصبة وشلل الأطفال الى الدول التي تعثرت برامج التطعيم فيها نتيجة الحروب مثل سوريا واليمن وأكرانيا، أما في دول المجموعة الأوروبية فقد تضاعف عدد الإصابات بالحصبة أكثر من ست عشرة مرة بين عامي 2016-2018 نتيجة إحجام بعضهم عن تطعيم أطفالهم. لذلك فقد أصدرت المنظمات الدولية تحذيرات متكررة حول عودة بعض الأمراض المعدية التي ظنناها من الماضي الى مختلف دول العالم بنسب تدعو إلى الخوف، ففي مواضيع الأوبئة لا تقتصر عواقب الممارسات الخاطئة على صاحبها وإنما تعم الجميع.
شبهات حول المطاعيم /د.عاصم منصور
12
المقالة السابقة