تعتبر الحماية الذاتية افضل حماية، لكنها مبتغى وليست منطلقا، فالحماية الذاتية هدف تسعى اليه المجتمعات من اجل حماية قرارها واستقلالها، ومن اجل سيادتها ورسالتها، كونها تكون قادرة عندها على حماية المجتمع وموجوداته والدفاع عن امنه وامانه، وعن مكانته وعنوانه.
لذا شكلت الحماية الذاتية هدفا تعمل من اجله كل المجتمعات لتحقق درجة عالية من الاستقلالية في اتخاذ القرار وصيانته دون مؤثر خارجي يتداخل او حسابات موضوعية ترهق ميزان الاستجابة، كما يعتبر وصول المجتمع للحماية الذاتية درجة التماهي المطلوبة لانها توائم بين التطلعات الشعبية الشعبية والمقتضيات التقريرية للدولة .
حيث تسعى المجتمعات لتعزيز روافع حماياتها عن طريق ايجاد حمايات اقليمية واخرى دولية، تحقق لها درجة الامان المستهدفة وتجعلها انظمتها اكثر استقرارا وامنا، خصوصا في ظل فشل الحمايات القانونية والتشريعات الدولية من توفير ظروف الحماية الحقيقية للمجتمعات جراء حالة التغول والتدخل المباشر وغير المباشر في سياساتها وشؤونها.
وهذا مرده الى تمادي الدول القادرة على استخدام قوتها ونفوذها باستخدام سياسية الامر الواقع من خلال تهديدات مباشرة او غير مباشرة تهدد امنها لتقوم الدول الاقليمية والدولية علي الاستقطاب وفي احقاق مقتضيات معادلة او تنفيذ سياسية بهدف حماية هذه الدولة او تلك من التهديدات الاقليمية، ياتي هذا كله مع اشتداد حالة التجاذب السياسي بين الكتل الاقليمية، وتناميها جراء اشتداد حركة تغيير المصالح وتبدل منازل المعادلة الجيوسياسية ومحركاتها بطريقة حادة ومتسارعة .
صحيح ان الحماية الذاتية بحاجة الى جهود كبيرة وعوامل كبيرة، وظروفها بحاجة الى استراتيجية عمل تقوم على الامن والاستقرار اولا، بهدف تحقيق الامان المعيشي والاقتصادي وتوفير الروافد الطبيعية اللازمة من موارد طبيعية وموارد بشرية، وهذا بحاجة الى ايجاد خطة ذاتية يشارك فيها الكل الوطني في بناء حالة وطنية ورسالة وطنية تحقق الرفعة للمسيرة الوطنية بما يجعلها قادرة على الحماية الذاتية .
لكن ما صحيح ايضا ان هذا الكلف مهما غلت او حتى بذل لتحقيقها مجهود ستبقى اقل من كلف البحث عن حمايات اقليمية، لانها تعني رهن الكل الوطني في بيت القرار الاقليمي، وهذا يعني تسليم ملف الحراسة للغير وحمل ملف العمل فقط، وهو قرار قد يحمل نتائج انية طيبة، لكنه حكما سيجعل من بيت القرار يذهب الى بيت الحماية الاقليمية على حساب بيت القرار الوطني وهذا يعتبر الغاء للسيادة الوطنية في البعد الاستراتيجي .
وقد تبحث بعض المجتمعات عن حمايات اقليمية تجدها افضل من الحماية الذاتية، لكن هذه الحمايات ستفرض عليها جملة من السياسات، وهذا ما يجب ان يكون مرفوضا شكلا من الجميع وغير قابل للنظر موضوعا، فان الباب العربي مهما كانت كلفته هو الباب الاسلم والمنظومة العربية هي الرافعة الاقليمية الاكثر امانا من انظمة التحالفات المشكلة، فانه مخطئ من ظن يوما ان للثعلب دينا.
الحماية، بين الذاتية والموضوعية / د.حازم قشوع
12