لم يرد ذكر مشروع الشام الجديد إلا على لسان رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في تصريحاتٍ لصحيفة واشنطن بوست الأميركية، ثم توضيحاتٍ من مسؤولين عراقيين، فيما لم يذكر بيان قمّة عمان الثلاثية (الملك عبدالله الثاني، الكاظمي، عبد الفتاح السيسي)، الثلاثاء الماضي، المصطلح تحديداً، واكتفى بالإشارة إلى التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية والإقليمية.
يتزامن طرح المشروع الجديد، عراقياً، مع تحولاتٍ جذريةٍ في المشرق العربي مع انهيار دور القوى التقليدية في النظام الإقليمي العربي، تاريخياً، العراق وسورية ومصر، في مقابل صعود القوى الصغرى لتملأ الفراغ، وهو ما تحاول الدول الثلاث، بصورةٍ خجولة، الردّ عليه من خلال هذا التحالف الثلاثي الذي لا يزال مبهماً في أهدافه وسياساته وآلياته، وربما في تباين رؤية كل واحدةٍ من الدول الثلاث له!
إذا أمسكنا المعادلة الإقليمية من زاوية القضية الفلسطينية وموازين القوى الإقليمية والعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، فإنّ الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي هو ترجمة أمينة لتجاهل هذه الدول الثلاث، ليتم طرح مشروع “السلام الإقليمي” الأميركي الذي يقوم على استبدال التحالف الإماراتي – السعودي مقابل “دول الطوق” التي كانت تمثل الطرف العربي المعنيّ بالعلاقة مع إسرائيل.
إذاً، يعكس المشروع الأميركي الجديد، عملياً، تغييرات جوهرية في أوزان الدول العربية وقيمتها الاستراتيجية على صعيد الأمن الإقليمي، فما كان الأردن ومصر يقومان به، تقليديا، بخصوص القضية الفلسطينية في المسكوت عنه في الاتفاق الجديد لم يعد قائماً، بينما العراق الذي شكّل تاريخياً إحدى القوى الإقليمية البارزة، سواء في معادلة إيران أو الصراع العربي – الإسرائيلي، لم يعد، في المنظور الأميركي الجديد، إلا ساحة صراع على النفوذ بين الولايات المتحدة وإيران.
في ضوء هذه المعطيات والتحولات الجديدة؛ هل فعلاً يحمل مشروع “الشام الجديد” رؤية عربية مشرقية جديدة تستدرك هذا التهميش والتجاهل لدور الدول العربية المحورية، إذا استثنينا سورية حالياً، فيما تبدو المفارقة أنّ المشروع الجديد يحمل اسمها (الشام؛ وهي قلب بلاد الشام: بالإضافة إلى الأردن وفلسطين)، في ظل ظروف سورية وقانون قيصر الذي يفرض عقوباتٍ شديدة على من يتعامل مع النظام السوري ويدعمه، وإذا كان كذلك، فما هي معالم هذا المشروع وأهم بنوده وآفاقه القادمة؟
بالنسبة للعراق؛ من الواضح أنّ رئيس الوزراء العراقي يتحدّث عن نموذجٍ يحاكي النموذج الأوروبي في التكامل الإقليمي، الذي قام، بدايةً، على الجانب الاقتصادي في التعاون، ثم انتقل إلى الجانب السياسي، وبذلك يسعى (الكاظمي) إلى مواجهة الأزمة الداخلية والاستقطاب العنيف في الداخل بين إيران والولايات المتحدة والقوى المؤيدة لهما نحو إيجاد “بدائل عربية” إقليمية، وهو خيار جيد ومعقول، بشرط أن يكون هنالك استعداد لكل من الأردن ومصر لتقديم هذا العمق الاستراتيجي.
في ما يخصّ الأردن، هو يبحث عن إعادة تشكيل دور “دول الطوق”، بما يردّ الاعتبار للمكانة الاستراتيجية له ولدوره الإقليمي، ويحدّ من مسلسل التدهور والانهيار في الملف الفلسطيني، وهو ما لا يبدو أنّ الطرفين الآخرين (العراق ومصر) قادران على تقديمه، لأنّ هذا التفكير يصطدم إما بالأميركيين أو بالخليجيين. فيما لا تبدو مصر معنيةً جديّاً بمحاولات استنهاض “المشرق العربي”، وإعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية، وإنما تفكّر بدرجةٍ رئيسيةٍ بتحقيق مصالح ومنافع اقتصادية من العراق، فيما يتراجع الاهتمام المصري بالقضية الفلسطينية، وتطغى مسألة سد النهضة (أخذت مساحةً في البيان واضحة)، أو الحالة الليبية (والتنافس مع تركيا) لدى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على أي ملفاتٍ إقليميةٍ أخرى.
لو أردنا فعلاً أن نعطي مساحةً من التفاؤل الواقعي بإمكانية رؤية مخرجاتٍ مقنعة، ترتفع إلى مستوى العنوان “الشام الجديد”، فكان يفترض بداية دعوة السلطة الفلسطينية، بوصفها طرفا مهما اليوم يجري إضعافه، والتطرّق، في البيان الختامي، إلى المصالحة الفلسطينية، والتلويح بالخيارات الإقليمية الأخرى، تركيا وإيران، لبناء مفهوم أمن إقليمي واسع، لكن مساحة المناورة محدودة في مواجهة تحدّياتٍ كبيرة.