يتعرض الائتلاف الحكومي في “إسرائيل” لاهتزازات يومية، وتحديدا بين قطبي القيادة الأولى: زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو، وزعيم ما تبقى من قائمة (كاحول ـ لافان) أو (أزرق ـ أبيض) الجنرال بيني جانتس، بحيث تجعل من استقرار، واستمرار هذا التحالف، أو الائتلاف أمرا غير مُمكن على الإطلاق. ولولا (جائحة كورونا ــــ كوفيد 19) وانتشارها في “إسرائيل” لانهار هذا التحالف من لحظاته الأولى، وتم الاتجاه نحو انتخابات تشريعية مُعادة للمرة الرابعة.
القضايا الخلافية داخل الائتلاف الحكومي في “إسرائيل”، مُتعددة، ومتشعبة، منها ما له علاقة بالمصادقة على الميزانية العامة وفق ما جرى بالتفاهمات الائتلافية، من اعتماد ميزانية لعامين (حتى نهاية 2021)، لكن الواقع تغيَّر في ظل أزمة (جائحة كورونا) كما يقول بعض أقطاب حزب الليكود، في حين قال الجنرال بيني جانتس في اجتماع المجلس الوزاري المصغر (الكابينيت) مؤخرا: “نحن شركاء في قرارات المساعدات في ظل (جائحة كورونا)، وليس فقط في فرض القيود على المجتمع. عليكم المصادقة فورا على ميزانية لعامين”.
ومنها ما له علاقة بشخص نتنياهو، فأبرز تلك الخلافات على الإطلاق، لها علاقة بهذه الحالة من “الجشع” السلطوي، الذي يسيطر على سلوك وأداء نتنياهو، الذي يرى نفسه بأنه ملك ملوك “إسرائيل” القادم، رغم استمراره في مواقع السلطة لسنوات طالت عن تلك السنوات التي أمضاها أحد المؤسسين في الكيان الإسرائيلي ومن الزعماء المتنفذين في الحركة الصهيونية، والذي أعلن قيام دولة “إسرائيل” في 15/5/1948، ونعني به أول رئيس وزراء في “إسرائيل” اليهودي البولندي (ديفيد بن جوريون) في مواقع السلطة. لذلك فإن نتنياهو يُقامر عمليا بين خروجه من مواقع القرار بشكل مقبول للشارع “الإسرائيلي” وله شخصيا، خروج يحفظ له “ماء وجهه”، وبين خروج قسري، في نهاية سياسية مرذولة، التي يريدها كثيرون في “إسرائيل” حتى من داخل حزب الليكود. حيث بدأت تظهر وبشكل جلي علائم التحالف ضده بين عدد من أقطاب حزبه الذين تتشكّل لديهم قناعة الآن بضرورة خروج نتنياهو من الحلبة السياسية، لذلك هدَّدّ قبل أيام بإحداث انشقاق داخل حزب الليكود، والخروج منه بكتلة أكثر يمينية، وخوض الانتخابات القادمة بالتحالف مع باقي قوى وأحزاب اليمين واليمين التوراتي المتطرف (شاس + يهوديت هتوراه + يمينا) والسيطرة على الكنيست القادمة، وبالتالي تشكيل حكومة دون باقي الأحزاب غير اليمينية، ودون “بيضة قبان”.
وفي حقيقة الأمر، إن نتنياهو يتبع الآن تكتيك الهروب إلى الأمام، من خلال الدفع باتجاه الإعداد لانتخابات تشريعية، أو التهديد بها، أي انتخابات مُعادة للمرة الرابعة، أو بصيغة جديدة، قد تكون في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 المقبل، أو في حزيران/يونيو 2021، بالرغم من أن مؤشرات استطلاعات الرأي باتت لا تعطيه الأرقام التي كان يأخذها خلال الفترة السابقة من حيث تحقيق إنجاز مهم على مستوى عدد أعضاء حزب الليكود في الكنيست حال تم إجراء الانتخابات التشريعية للمرة الرابعة.
أما الرأي الثالث في “إسرائيل” في ظل أزمة الائتلاف الحكومي، فإنه يدعو إلى تهدئة الأمور بين قطبي التحالف (نتنياهو + بيني جانتس)، وترحيل أزمة الميزانية العامة، ومنع حل الكنيست، وتأجيل المهلة التي يُحددها “القانون الإسرائيلي” لإقرار الميزانية لمدة شهرين. تفاديا لانفراط عقد الحكومة، وتفاديا للدخول في لعبة انتخابات جديدة تبدو صعبة في ظل وجود وانتشار (جائحة كورونا). علما أن القانون “الإسرائيلي” يقضي بأن الحكومة ملزمة بالمصادقة على ميزانية في العام الذي تشكّلت فيه، وذلك في حال عدم وجود ميزانية مصادق عليها قبل تشكيل الحكومة. وتُمنح الحكومة في هذه الحالة مهلة 100 يوم للمصادقة على ميزانية. والحكومة الائتلافية الحالية تشكّلت في 17 أيار/مايو الماضي، وتنتهي مهلة الـ100 يوم في 25 آب/أغسطس. وهذا الاتجاه ما زال ضعيفا، وتأثيره ليس بالكبير أو الواسع داخل الكنيست وبين أعضائها، لذلك لا يعوّل عليه كثيرا، لجهة نزع فتيل الأزمة المستحكمة داخل الائتلاف الحكومي.
وبالنتيجة، نحن أمام واقع داخلي متأزم سياسيا في “إسرائيل”، ويبدو بأن الأحداث الإقليمية المتتالية، وخصوصا منها ما جرى في لبنان، ومرفأ بيروت، زاد من تأزمه، ومن تضارب التقديرات والقراءات “الإسرائيلية” لانعكاسات الخارج الإقليمي على الداخل، ووضع القيادة والائتلاف الحكومي أمام واقع صعب يحتاج لإجابات سريعة مع تسارع الأحداث. فالأحداث الأخيرة زادت من حدة الأسئلة المطروحة في “إسرائيل”، ومن شقة التباين في التقدير العملي بين المكونات السياسية والحزبية في الائتلاف الحكومي القائم حاليا في “إسرائيل”.