للإنتخابات الأمريكية أهمية خاصة لما لنتائجها من تداعيات على مختلف دول العالم نظرا لما تتمتع به من قوة عسكرية وإقتصادية وتكنولوجية وعلمية مكنتها من قيادة العالم وبسط سطوتها ونفوذها السياسي خدمة لمصالحها أولا وأخيرا وعلى الرغم من الإنطباع السائد بأن أمريكا دولة مؤسسات ولا تتأثر السياسة الخارجية بشخصية الرئيس أو الحزب الحاكم إلا أن للرئيس وفريقه تأثير لا يمكن تجاهله سواء على صعيد السياسة الداخلية أو الخارجية .
ماذا عن الإنتخابات الحالية :
هل تختلف إنتخابات الثالث من تشرين الثاني عما سبقها من دورات إنتخابية سابقة ؟ تساؤل يدور في أذهان مفكرين وسياسيين وبالتأكيد لدى قادة دول ستكون دولهم على رأس قائمة التأثر سلبا أو إيجابا بما ستفرزه من نتائج .
تكمن أهمية الإنتخابات الامريكية القادمة في مدى ما تمثل نتائجها من إنعكاسات وتبعات وتداعيات على مكانة ونفوذ وطبيعة وشكل العلاقات التي تربط الولايات المتحدة الامريكية مع دول العالم التي أصابها تآكل في الثقة وعدم المصداقية .
الدورة الأولى للرئيس ترامب :
بالتأكيد لم يكن لترامب فرصة الوصول إلى سدة رئاسة أمريكا بقدراته وإمكانياته الشخصية وإنما اتى بفضل القوى الرافعة من حزبية وإقتصادية وعنصرية التي وجدت فيه الشخص المناسب لتنفيذ أجندتها وتعزيز نفوذها ورعاية مصالحها على الصعيدين الداخلي والخارجي .
فقد تميز عهد الرئيس ترامب إن صح التعبير بعدد من القواعد والمظاهر منها :
أولا : نظرته العدائية والعليائية إتجاه الأقليات في الداخل الأمريكي الذي مثلت إنقلابا على القيم الأمريكية .
ثانيا : توظيف عهده في خدمة كبار الرأسماليين وما سياسته في مواجهة وباء كورونا وتداعياته ” خاصة في بداية تفشيه ” إلا مثال لذلك .
ثالثا : الإنقلاب على السياسة التاريخية والتقليدية السائدة مع الحلفاء والأصدقاء وإستبدالها بسياسة الإبتزاز المالي وما سياسته إتجاه حلف الناتو ودول الخليج إلا أمثلة واضحة .
رابعا : العمل على تحويل القوات المسلحة الأمريكية إلى ” قوات للإيجار ” وما التصريحات العديدة والمباشرة للرئيس ترامب وإدارته ” بأن على الحلفاء والأصدقاء أن يدفعوا مقابل حمايتهم ” إلا تجسيد لمفهوم جديد في بناء نظام من العلاقات قائم على أسس بدل مالي غاضا النظر ومتجاهلا عما منحته تلك العلاقة من قوة ونفوذ وأمن ومكاسب إقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية مكنتها من قيادة العالم على مدار عقود طويلة وهذا من شأنه على المدى المتوسط تهديد النفوذ الأمريكي الممتد على أصقاع العالم .
خامسا : الإنقلاب على قيم الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان التي ميزت الخطاب السياسي والإعلامي لإدارات أمريكية سابقة .
سادسا : العمل على إنتزاع موافقة دولية بالترغيب او الترهيب على إقامة نظام عالمي جديد يقوم على مبدأ إعلاء قيم القوة العسكرية الغاشمة وفرض نتائجها من إحتلال وتغيير الحدود القائمة خلافا وإنتهاكا للقانون الدولي وللعهود والاتفاقيات الدولية في مسعى لإعادة إحياء الإستعمار المباشر كنقيض للنظام العالمي القائم منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 ” ولو نظريا أو شكليا ” على إحترام مبادئ الامم المتحدة واهدافها بحظر العدوان وتصفية الاستعمار وإحترام القانون الدولي والحفاظ على وحدة الدول وترسيخ مبدأ الحوار لحل الخلافات والنزاعات وصولا الى ترسيخ السلم والأمن الدوليين وما مشروع ترامب المسمى صفقة القرن بمضمونها المنحاز و الداعم للعدوان الصهيوني بقيادة مجرم الحرب نتنياهو والمتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني الاساسية والمكفولة دوليا إلا نموذجا جليا للإنقلاب على :
• ميثاق الأمم المتحدة وعلى الشرعة الدولية وخاصة القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني .
• إلتزاماتها أمام المجتمع الدولي كدولة دائمة العضوية بمجلس الأمن .
سابعا : ترسيخ العنصرية لدى المجتمع الأمريكي وما أوامر الرئيس ترامب بالتعامل مع المتظاهرين بقوة مفرطة في ولايات عديدة هبت إحتجاجا وإستنكارا لجريمة إقدام رجال شرطة على قتل رجل إفريقي إلا دليل على التعبئة العنصرية التي لا تقتصر فقط على الأصول الافريقية .
بناءا على ما تقدم فإن سياسة ترامب وفريقه أسفرت عن :
▪ ضعف الجبهة الداخلية الأمريكية حيث اهتزت قيم المواطنة وحقوق الإنسان وعلى رأسها حق الانسان بالحياة .
▪ضعف ثقة الحلفاء التاريخيين وخاصة دول الاتحاد الاوربي واعضاء حلف الناتو بالاعتماد على القوة الامريكية في تعزيز أمنها مما دفع بها إلى المناداة بضرورة إيجاد مظلة دفاعية عسكرية وأمنية بعيدا عن الولايات المتحدة الأمريكية .
▪تعزيز علاقات بعض حلفاء أمريكا مع كل من روسيا والصين على الاصعدة السياسية والاقتصادية وأحيانا العسكرية مما أسفر عن تصاعد في نفوذ روسيا والصين يقابله تراجع تلقائي للنفوذ الأمريكي في خطوة تعد بداية الإنفكاك والابتعاد الكامل عن المظلة الأمريكية .
▪ توظيف القوة الأمريكية لخدمة الحركة الصهيونية ودعم مخططها التوسعي العنصري على حساب المصالح الأمريكية ودون أي إعتبار لمصالح اصدقاءها مما سينعكس مستقبلا على عمق العلاقات القائمة سلبا .
إذن إنتخابات الثالث من تشرين الثاني لعام 2020 ستشكل محطة فاصلة بين سيناريوهين :
السيناريو الأول : في حال نجاح ترامب لدورة رئاسية ثانية فهذا يعني إلى حد كبير الإستمرار في السير على نفس النهج الذي :
● سيقابل بمعارضة واسعة تختلف حدتها من دولة إلى أخرى .
● لجوء بعض الدول الى البحث عن تاسيس تكتلات جديدة أو الإلتحاق بما هو قائم أو تغيير آلية النهج القائم لدى بعض التكتلات والهياكل الاقليمية للدفاع عن الذات ووحدة أراضيها والدفاع عن مصالحها .
● قطع خطوات متسارعة نحو التحرر من النفوذ الامريكي بشكله وعنوانه الجديدين عبر إيجاد مظلة أو أكثر بديلا عن المظلة الأمريكية التي بقيت العديد من الدول والانظمة تستظل وتقيها الرياح العاصفة والتي باتت هي ذاتها مصدر الخطر أو الحذر والقلق على اقل تقدير .
● الدورة الرئاسية الثانية لترامب ستكون إيذانا ببدء إنتهاء مرحلة الإمبراطورية الأمريكية وافول نجم قيادتها .
● قد تمثل بداية لتنامي نزعة الاستقلالية لدى بعض الولايات الكبرى والغنية .
السيناريو الثاني :
في حال نجاح مرشح الحزب الديمقراطي بايدن فالمؤشرات إستنادا الى تصريحات المرشح بايدن في حملاته الانتخابية ولوسائل إعلامية توحي :
☆ بالانقلاب على سياسة ترامب وفريقه وإنتهاج سياسة مناقضة لسياسة ترامب في مجمل الملفات الداخلية والخارجية .
☆ العمل على ترميم ما أصاب العلاقات الأمريكية مع حلفاءها واصدقاءها من عطب وعدم ثقة وإعادتها إلى ما كانت عليه من علاقة مبنية على التحالف وردم مبدأ الإبتزاز المالي .
☆ إظهار الحرص على الإلتزام بمبادئ الأمم المتحدة وبالشرعة الدولية وبقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وعدم الإنحياز للكيان الصهيوني بتحديه للقانون الدولي ورفضه تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه بتقرير المصير واقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس .
والسؤال الأهم هل ستسمح ما يطلق عليها بالدولة العميقة لترامب وفريقه في حال وصوله البيت الأبيض لدورة ثانية بتنفيذ أفكاره واجندة القوى الرافعة له ؟ ….. وهل ستقوم الدولة العميقة بدعم سياسة بايدن وبرنامجه لتنفيذه في حال وصوله البيت الأبيض ؟ …. أم أن نهج ترامب يحظى بل ويترجم أهداف الدولة العميقة ؟ ….. عندئذ إلى أين العالم سائر. … وهل من إمكانية للتصدي له. …..؟
مهما كانت النتيجة فهناك قلق يعتري بعض الدول من التغيرات التي قد تطرأ على السياسة الامريكية للادارة القادمة . …. ولكن نتنياهو ومعسكره العنصري المتطرف على عكس آخرين سيكون اول من ينقلب على ترامب ويتوجه مهنئا لبايدن …. ؟ فنتنياهو ومعسكره العريض لا صديق لهم سوى مصالحهم. .. كما لا عهد ولا ميثاق يلزمهم ….. ؟ والسؤال أين الاستراتيجية العربية الرسمية من كل ذلك. ..؟
الإنتخابات الأمريكية القادمة …. ليست روتينية …. وجهة نظر. ..؟ د فوزي علي السمهوري
3
المقالة السابقة