من المثالب الرئيسية الكبرى التي تشكل عقبة وعائقا امام تحقيق مبادى الامم المتحدة بترسيخ السلم والامن الدوليين التي تم التوافق عليها كأسس لنظام عالمي تم فرضه على العالم كثمرة لنتائج الحرب العالمية الثانية تتمثل في عدة عناوين من أهمها :
— حصر الصلاحيات التنفيذية بمجلس الأمن ومنح الدول دائمة العضوية منفردة أو مجتمعة حق النقض ” الفيتو ” على أي مشروع قرار لا يخدم مصالحها المباشرة أو مصالح دولة حليفة .
— تهميش بل إلغاء الدور الفاعل للجمعية العامة للأمم المتحدة برعاية وحماية مصالح أعضاءها دون الرجوع إلى مجلس الأمن .
— إنتزاع صلاحية تنفيذ او فرض تنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بحق دولة امعنت وتمعن في إنتهاك ميثاق ومبادئ الأمم المتحدة وحصرها بمجلس الأمن وفقا للفصل السابع مما أدى إلى ضعف الثقة بدور الأمم المتحدة بترسيخ الأمن والسلم الدوليين وحظر كافة أشكال العدوان ومنع إحتلال أراض دولة أخرى بالقوة .
ومن الأدلة على ما تقدم أعلاه وعلى إزدواجية تعامل دول الفيتو مع القضايا العالمية تتمثل في تعاملها مع ملف القضية الفلسطينية المنحاز الفعلي للكيان الصهيوني العنصري الذي يتباهى ويتبجح برفضه تنفيذ اي من مئات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وعن مجلس الأمن بل وبعدم إعترافه بها من حيث المبدأ تلك القرارات التي تدعو وتطالب ” إسرائيل ” كدولة عدوان وإحتلال إلى تنفيذ تلك القرارات المتعلقة بوجوب إنهاء إحتلالها للأراضي الفلسطينية وإلى تمكين اللاجئين الفلسطينيين العودة الى مدنهم وقراهم تنفيذا للقرارين رقم 194 و 181 ” التقسيم ” الجائر والمجحف بحق الشعب الفلسطيني الذي صنع كيانها بموجبه ( حيث سارعت الدول دائمة العضوية او بعضها إلى فرض تنفيذه ) .
هذا الواقع أوجد هوة واسعة بين شرعيتين :
• شرعية وقوة القانون الدولي بشكل خاص وبالشرعة الدولية بشكل عام والتي يجب أن تسود وتسمو على ما عداها .
• شرعية القوة العسكرية الغاشمة التي يجسدها الكيان الصهيوني وداعميه التي تستدعي مقاومتها عبر تضافر جهود الدول الحرة من المجتمع الدولي المؤمنة باهمية سمو مبادئ الأمم المتحدة وترسيخها .
فلسطين والعهود والمواثيق والقرارات الدولية :
لم تحظى قضية بكم من القرارات الدولية المتعاقبة كما حظيت به القضية الفلسطينية عددا وجوهرا من حيث مضمونها الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني وشجبها ورفضها للإحتلال الصهيوني وسياساته وممارساته المناقضة لكافة العهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
وفي إستعراض سريع وموجز لعدالة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني ليس من منظور تاريخي وإنما إنطلاقا وإستنادا الى الحقوق التي تكفلها لجميع الشعوب العهود والمواثيق والقرارات الدولية يقابلها بذات الوقت فضح وتعرية لدولة الإستعمار والإحتلال الإسرائيلي التي لم تحترم ” منذ صناعة كيانها نظريا وتمكينها عمليا من إقامة كيانها على اساس ديني في تناقض أساس مع مبادى وفلسفة الامم المتحدة ” أي من إلتراماتها وواجباتها كعضو في الأمم المتحدة ومؤسساتها .
المجتمع الدولي عامة والدول دائمة العضوية في مجلس الامن ودول الإتحاد الأوربي وكافة الدول المؤمنة بقيم ومنظومة حقوق الإنسان والقانون الدولي والقانون الإنساني مدعوة إلى المبادرة بترجمة إيمانها بإحترام مبادئ وأحكام القانون الدولي من بعد نظري إلى إجراءات عملية ضاغطة لإرغام دولة الإحتلال والإستعمار الصهيوني على :
▪ الإذعان لاحترام والإلتزام بالقانون الدولي .
▪ تنفيذ جميع القرارات الدولية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية .
▪ البدء بإنهاء إحتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 في مدة زمنية قصيرة ومحددة تمهيدا لتنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 273 .
ومن أهم القرارات التي صدرت عن مؤسسات الأمم المتحدة ” الجمعية العامة ومجلس الأمن ” منذ عقود فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية دون ان تترجم إلى واقع :
أولا : تنفيذ الشطر الثاني من قرار الجمعية العامة رقم 181 الذي أبقى 45 % من مساحة فلسطين التاريخية للشعب العربي الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة .
ثانيا : دعم مطلق لعصابات الحركة الصهيونية الإجرامية سياسيا وعسكريا مما مكنها من إحتلال نصف مساحة الدولة العربية الفلسطينية المحددة وفق قرار التقسيم رقم 181 .
ثالثا : عدم متابعة تنفيذ قرار الجمعية العامة رقم 273 الذي اشترط لقبول ” إسرائيل ” عضوا في الامم المتحدة تنفيذ قرارات الجمعية العامة رقم 181 و 194 و نظرا لعدم تنفيذ مضمون القرار مما يعني سقوط عضويتها في الامم المتحدة تلقائيا .
رابعا : ضرب عرض الحائط بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 الصادر في 14 كانون الأول من عام 1960 والاصرار على إنكار الكيان الصهيوني لمضمون القرار والمعروف ب : “إعلان منح الإستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة ” فالدولة العربية الفلسطينية بارضها وشعبها تئن تحت وطأة الإستعمار الصهيوني العنصري منذ عقود وما كان للإستعمار الصهيوني أن يدوم لولا الدعم الامريكي اللامحدود وخاصة في عهد الرئيس ترامب ولولا تقاعس الدول الكبرى دائمة العضوية بمجلس الأمن خاصة عن الاضطلاع بواجباتها لفرض إحترام مبادئ الأمم المتحدة وقراراتها دون إزدواجية وإنتقائية .
خامسا : الإلتزام بتنفيذ المادة الأولى من العهدين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تنص على : ” لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الإقتصادي والإجتماعي ” .
كما تنص في الفقرة 2 من المادة الأولى أيضا على : ” لجميع الشعوب سعيا وراء أهدافها الخاصة التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية. .. ولا يجوز بأي حال حرمان اي شعب من أسباب عيشه الخاصة ” .
سادسا : العديد من قرارات مجلس الأمن إضافة الى قرار محكمة لاهاي واحكام إتفاقيات جنيف وصولا إلى باقي عشرات بل مئات القرارات الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني بحدها الأدنى .
يبقى السؤال هل من المعقول أن يبقى المجتمع الدولي واقفا مكتوف الأيدي أمام رئيس وزراء عنصري عدواني يقود تكتلا يمينيا عنصريا متطرفا يتصف بعدائه للإنسانية ولحقوق الإنسان وينكر وجود قانون دولي ولا يؤمن إلا بشن الحروب وإرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ويتحدى إرادة العالم الحر المؤمن بالحرية والعدالة والاستقلال وحق تقرير المصير … ويشكل عقبة تحول دون تنفيذ وإحترام القانون الدولي دون عقاب ومساءلة ؟
الشعب الفلسطيني طليعة الشعب العربي يتطلع إلى المجتمع الدولي وخاصة دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان الذي أتخذت موقفا رافضا لسياسة حكومة مجرم الحرب نتنياهو الهادفة إلى فرض أمر واقع جديد على الأرض الفلسطينية المحتلة خلافا للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة …. أن ينتقل بهذا الدعم السياسي إلى مربع عملي جديد ضاغط على الكيان الصهيوني لارغامه على إنهاء إحتلاله للأراضي الفلسطينية المحتلة إثر عدوان حزيران عام 1967 وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس تنفيذا للقرار رقم 181 . …. الشعب الفلسطيني يتطلع أيضا إلى الدول العربية والإسلامية ودول عدم الإنحياز ودول الإتحاد الإفريقي وباقي دول العالم الحر والصديقة إلى عزل ومقاطعة الكيان الصهيوني سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا وإعلاميا إلى حين تنفيذه كافة القرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية. … تحت طائلة الطرد من الأمم المتحده لإخلاله بشروط قبول عضويته. …
إذن عنوان المرحلة …. إما ان يكون القانون الدولي والقرارات الدولية ديكورا وبالتالي زعزعة الأمن والسلم الدوليين ….. أو أن تشكل مرجعا حقيقيا دون إزدواجية تساهم في تعزيز وترسيخ الأمن والسلم الدوليين. … ستبقى فلسطين ودعم تحريرها بكل السبل من نير الإستعمار الصهيوني واجب سياسي وقانوني وحقوقي يقع على كاهل المجتمع الدولي تجسيدا لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة. … كما ستبقى عنوان التحدي للمجتمع الدولي بمدى قدرته والتزامه بسيادة وسمو القانون الدولي وفرض إحترامه على اي دولة تتجرأ على إنتهاكه وخاصة الكيان الصهيوني وما يمثله من قوة إستعمارية مارقة وشريرة …واجب ردعها والتصدي لنهجها العدواني العنصري دون هوادة ….؟
فلسطين … حق تقرير المصير. …والتحرر من الإستعمار. .. مكفول دوليا ..ولكن. ..؟ د فوزي علي السمهوري
13
المقالة السابقة