عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
يجني أبو مازن ثمار ما زرعت دبلوماسيته ونشاطه السياسي، الذي كرسه منذ جاء الى المسؤولية الأولى في المنظمة والسلطة، رغم أن نهجه المستمر قد واجه كثيرا من الصعاب والتعنت حتى في أوساط قيادته ولدى كثير من الفصائل والقوى الوطنية وغيرها، فقد ظل الرجل مخلصا لما آمن به دائما منذ تدرج في المسؤولية في فتح من لحظة الانطلاقة عام 1965 وما قبلها في فترة الإعداد والنشوء.
ظل أبو مازن يؤمن بالحوار حتى مع أعداء الشعب الفلسطيني وسالبي أرضه، إذ أدرك منذ وقت مبكر وخاصة بعد حرب اكتوبر العربية الاسرائيلية عام 1973 أنه لا مناص من فتح نوافذ وحوارات مع اسرائيليين من أجل تثبيت الحقوق الفلسطينية الوطنية والشرعية وغير القابلة للتصرف..
واستطاع بنهجه الذي راكمه كما “نظرية النمل” أن يكسب أنصارا ومؤيدين لتثمر محاولاته في اقناع رفيق دربه الرئيس الراحل عرفات بذلك، فكانت “اوسلو” التي تخلص من أدرانها وتبعاتها أخيرا، وهو الذي لم يغفل عن مضارها ولكنه آمن بفوائدها أيضاً، وما زلت أذكر قوله عشية توقيع اتفاق اوسلو حين قال:
“إما أن يأخذنا أوسلو الى الدولة الفلسطينية المستقلة، وإما ان يأخذنا الى الجحيم”، ولكن اوسلو صادرتها اسرائيل اليمينية التي لم تكن في كل مسيرتها الاحتلالية والعدوانية تؤمن بالسلام، ولكن الرجل المحنك كان يرى ضرورة “ملاحقة العيّار لباب الدار”، ووضع اسرائيل في الزاوية وكشف خططها واهدافها للعالم كله، اذ لم يكن هناك إمكانية لكشف ذلك إلاّ بالممارسة، وبهذا الاسلوب الذي اتبعه ابو مازن يضع ثوب اسرائيل على رأسها ويكشف عن عوراتها، وقد استطاع الرئيس عباس في مسيرته التي ركزت على المطالبة السلمية بالحقوق واستعمال المقاومة السلمية الواسعة البعيدة عن السلاح كوسيلة يرتضيها العالم ويقر للفلسطينيين بها.. استطاع ان يكسب مؤيدين وانصارا وتفهما لسياساته وان يضمن إدانات عالمية واسعة لسياساتها …
من التكوينات السياسية التي استطاع الرئيس ابو مازن ان يكسبها وحتى يقودها باسم فلسطين (مجموعة ال77+ الصين) وقد تحرك في هذا الاطار بشكل فاعل وكانت هذه المجموعة دافعة للمطلبية الفلسطينية الداعية لاستعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها بناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، كما ظلت هذه المجموعة مؤثرة داخل الأمم المتحدة التي أعطت الرئيس عباس اكثر من 138 دوله صوتت الى جانب الاعتراف بالدولة الفلسطينية..
أمس احسست ان الرئيس عباس في اتصاله الهاتفي مع الرئيس الصيني قد جنى ثمار علاقات فلسطين بالصين، وهي علاقات مبدئية قديمة منذ الرئيس الصيني الراحل ماوسي تونغ، وقد ظلت تتطور فقد ساعدت الصين وحزبها القائد الشعب الفلسطيني في مرحلة حركة التحرر، ودربت الكثيرين من العناصر وسلحتها كما ظلت تدافع عن قضية الشعب الفلسطيني في كل منابر الأمم المتحدة ومحافلها وتنتصر لها بشكل واضح وعلني، وظلت تلك السياسة تمد الفلسطينين بأسباب التأييد والدعم السياسي، اذ لم تستطع القوى الاستعمارية والصهيونية بكل قواها ان تفسد علاقات فلسطين بالصين، كما حدث مع دول أخرى بفضل حرص القيادة الفلسطينية نفسها التي ظلت تتفهم السياسة الصينية وتؤيدها في كثير من المحافل الدولية.
نعم هناك تحولات واسعة في المجتمع الدولي على المستوى السياسي والدبلوماسي الذي احدثته سياسة الرئيس عباس ونهجه، وقد وصلت هذه المحاولات والتحولات ما جعل رئيس الوزراء البريطاني يؤكد عدم شرعية خطوة الضم التي تريد إسرائيل القيام بها …
صمود الرئيس ابو مازن على سياسته وإصراره على انه يرتضي السلام نهجا شريطة ان يضمن حقوق شعبه واستمرار دعوته لعقد مؤتمر دولي تشارك فيه دول العالم ولا تنفرد به الولايات المتحدة…. مكنت الرئيس ابو مازن من عزل الموقف الأمريكي الإسرائيلي الذي يريد مواصلة ضغطه لإعادة جلوس الفلسطينيين معه على طاولة المفاوضات من أجل إعادة النفخ في القربة المثقوبة، ومن أجل كسب الوقت لصالح التوسع والاستيطان والتهويد والمصادرة والضم، واظهار ان الفلسطينيين يفاوضون، وهذا ما تريد اسرائيل التي لا تريد لصورتها التي اصبحت قبيحة ان تظهر مظهر الذي لا يريد السلام أو يمارس العنصرية ونظام الفصل العنصري…
الاتصال مع الرئيس الصيني والذي أيد الموقف الفلسطيني الملتزم بقرارات الشرعية الدولية له أهمية كبيرة الآن عشية ازدياد التأييد الدولي للموقف الفلسطيني، وتراجع التأييد لاسرائيل بل ومطالبتها الالتزام بقرارات الشرعية الدولية…
لقد صمد ابو مازن ومازال يصمد وهو في سبيل قضية شعبه صلب عنيد، كانت أطراف دولية واقليمية حاولت اختبار صلابته حين نصحوه بعدم التوجه الى الأمم المتحدة لتوليد الدولة الفلسطينية، ولكنه مضى في ذلك ونجح …وما زالت أطراف اقليمية تحاول من اجل بيع الورقة الفلسطينية للإدارة الأمريكية و لتل ابيب… تحت مسميات وذرائع عديدة باعتبار ان المتبقي من زمن ترامب في ادارته هو ربع الساعة الأخير، وهو الأخطر وهو قد يكون موعد انفجار القنبلة الأمريكية في وجه الفلسطينيين ومؤيديهم من العرب وغيرهم، ولذا يرى أصحاب مدرسة التعامل مع الولايات المتحدة ضرورة استمرار الحوار معها واشغالها حتى لا تصاب بلوثة ربع الساعة الاخير، فتؤيد نتنياهو على الضم في ظل هذه الإدارة وشروطها الداعمة لإسرائيل وقبل انتقال السلطة الى المنافسه بايدن…
يدرك ابو مازن بحكم الخبرة ان ادارة ترامب لن تعطيه شيئا بل تريد تجريده من كل شيء، حتى من أوراقه التي مازالت بيده، ولذا كان الرد عليها مباشرا ولا يحتاج لوسطاء، وفي هذا الاطار يضاف الموقف البريطاني والصيني والالماني والفرنسي و مواقف اخرى، واذا كان الشعب الفلسطيني الان يستعد للمواجهة الشاملة للرد على تحدي الضم والمصادرة والتهويد، فلانه يدرك ان الوعود الاخرى ظلت فارغه وان النصائح المقدمة للشعب الفلسطيني من بعض الاطراف ما هي إلاّ إضافة سلبية او ذر للرماد في العيون.
واذا ما اصرت اسرائيل على الضم فان ذلك في المحصلة هو الاحتلال الذي لا يزول إلا بالمطالبة بإزالته عمليا وبإصرار فلسطيني وكفاح مستمر وسياسات لا تهاون حول هذه المسألة .
ربع الساعة الأخير لن يكون أسوأ من ساعات الاحتلال الطويلة التي بدات بالنكبة والنكسة وتستمر بالضم والتهويد.. “وماذا يضر الشاه سلخها بعد ذبحها ” ، فالأصل هو المطالبة بإزالة الاحتلال والاستعداد بكل الوسائل لذلك، أما النصائح الأخرى التي لا تصب في هذا الاتجاه فهي محاولات للمساومة والتسويف والبيع والشراء والوساطات المعروفة المزمنة التي ظلت تخدم الاحتلال وسياساته..
لن يخسر الفلسطينيون بعد اليوم إلا الاحتلال وسوف يكسبون بصمودهم ووعيهم والتفافهم حول قضيتهم وانجازهم للمصالحة حريتهم وتحرير وطنهم..
يكسب الرئيس عباس الرهان وهاهي معظم دول العالم وعلى رأسها الصين تؤيده ولم يخرج احد زعماء العالم المنصفين بقول لا تفعل ما فعله..
الرئيس الصيني الراحل ماو تسي تونغ