عروبة الإخباري –
رسالة مفتوحة إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية
السيد دونالد ترمب
أكتب إليكم وكلي ثقة بأنكم كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، تسعون إلى احترام وترسيخ المبادئ الرئيسية المتضَمَنة في الدستور الامريكي والمتمثلة في العدل والحرية والمساواة، وهذه المبادئ تدفعكم إلى ضرورة ترسيخ أسس السلام والأمن في العالم، وأتفهم في ذات الوقت أنكم تعملون على حماية مصالحكم وأمنكم، مما يتطلب منكم العمل لحل الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، وفي المنطقة العربية والتي أساسها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يشكل انهاؤه نقطة ارتكاز مهمة وأساسية في إرساء دعائم الأمن المستدام والسلام والعادل والعيش المشترك، ليس فقط في المنطقة والإقليم وإنما في العالم أجمع.
أكتب إليكم بدافع المسؤولية الإنسانية أولا، والمسؤولية الوطنية والشخصية، كإنسان قارب على العقد التاسع من العمر، وعاصر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ بداياته، وانخرط بشكل أو بآخر فيه، وحاول ولا يزال يحاول للوصول إلى حل عادل يقوم على أساس دولة فلسطينية مستقلة وبعاصمتها القدس الشرقية وفق ما جاء في مبادرة السلام العربية المبنية أساسا على قرارات الشرعية الدولية. وهذا هو الحل الذي سيضمن بناء سلام مع دولة إسرائيلسلامالشجعان كما كان يدعو اليه الشهيد القائد ياسر عرفات حقيقي يؤسس لمستقبل الأجيال القادمة في عالم خال من الحروب والقتل والدمار الذي أصاب شعبي، وأصابني عندما جاءت رصاصة من جندي إسرائيلي أصابت حفيدي الشاب الجامعي وأقعدته عن الحركة، اثناء مشاركته في مسيرة العودة على الحدود اللبنانية الفلسطينية عام 2011 وهذا مثال آلاف العائلات الفلسطينية التي فقدت أعزاء جراء وجود الاحتلال الذي هو أساس الصراع، والا بد له بأن ينتهي على قاعدة حصول الشعب الفلسطيني على حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة استجابة لقرارات الشرعية الدولية التي تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية جزءا رئيسيا منها.
السيد الرئيس: لا يراودني أدنى شك بأنكم قادرون على أخذ قرارات تؤسس لسلام حقيقي وتضمن قيام دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل، فقد التقيتكم عام 1985 في بيتكم في ترمب تور في منهاتن- نيويورك، وكان وقتها انطباعي بما سمعته منكم بأن هذا الشخص قادر على وضع علامات مميزة على أكثر من صعيد ومنها عدالة القضية الفلسطينية وثبت صحة اعتقادي بوصولكم إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية والتفاتكم إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن أخطأتم التعامل مع هذه القضية الحساسة في انحيازكم العضوي إلى دولة الاحتلال على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتجلى هذا الانحياز الكامل عندما طرحتم “صفقة القرن” كأساس لحل هذا الصراع، وما قمتم به من إجراءات سبقتها ورافقتها مثل إغلاق مقر بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وحجب التمويل عن وكالة الاونروا, واعترافكم بالقدس الموحدة كعاصمة لدولة إسرائيل، واعلانكم عن نقل سفارة الولايات المتحدة إليها، ودعمكم اللامحدود واشتراككم أيضا مع دولة الاحتلال في محاولاتها للقفز عن القضية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني من خلال نسج علاقات طبيعية مع بعض الدول العربية لاعتقادكم بأن هذا مفتاح حل الصراع، ولكن أقول لكم بأن هذا الفعل يُعقد الصراع ويؤسس لمزيد من الفوضى وانعدام الاستقرار والكراهية في المنطقة والاقليم.
سيادة الرئيس: إن بداية إنهاء الصراع يبدأ من إنهاء الاحتلال، وأنا أؤمن تماما، وأعتقد أن الكثيرين من أبناء الشعب الفلسطيني يشاركوني هذا الايمان بأنه حان الوقت لرفع الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني، – منذ وعد بلفور المشؤوم في العام 1917، الذي أسس لقيام “دولة إسرائيل” وسلب من الشعب الفلسطيني حقوقه السياسية والمدنية وتعامل مع هذا الشعب الضاربة جذوره في عمق التاريخ على أرض فلسطين على أنه “أقلية” ليس أكثر -، نؤمن بضرورة العيش بسلام وأمن في دولة مستقلة وأن نبني علاقات في شتى المجالات مع دول الجوار ومنها إسرائيل في حال أن أنهت احتلالها وحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة كباقي شعوب الأرض، ولا داعي للحديث عن القيم المتمثلة بالحرية والعدالة والتسامح وقبول الآخر، التي نؤمن بها ليس فقط كأفراد وإنما كشعب فلسطيني وكقيادة فلسطينية.
تعلمون يا سيادة الرئيس، بأن الرئيس أبو مازن من أوائل القيادات الفلسطينية التي عملت على فتح حوار مع الإسرائيليين منذ سبعينيات القرن الماضي، وهو قادر على صنع السلام مع الإسرائيليين لأنه ببساطة يؤمن به، كما نؤمن نحن بأن السلام الدائم والعادل والشامل يكون من خلال الاتفاق مع الشعب الفلسطيني وقيادته دون وكلاء، ولنا في معاهدتي السلام بين إسرائيل والأردن، وقبلها بين إسرائيل ومصر نموذجا.
إننا نرى بأن مفردات صفقة القرن يجب أن يعاد صياغتها بحيث تكون مبنية على أساس المعرفة والدراية بجذور الصراع وتاريخه وتطوره، وهذا الأمر بحاجة إلى خبراء ومعاونين يستطيعون بناء خطة قادرة على حل الصراع على أسس تضمن تطبيقها ليخرج الجميع رابحا منها دون فرضها على أي طرف كان، وبخاصة الطرف الفلسطيني الذي يطالب فقط بإنهاء الاحتلال وتطبيق قرارات الشرعية الدولية بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران للعام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية، وهذا ما كان يسعى إليه الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وما يسعى إليه الآن الرئيس أبو مازن.
إن قناعاتي الراسخة بأن الرئيس أبو مازن رجل سلام يريد ان يعيش شعبه والشعوب المجاورة أيضا بسلام وأمن ورخاء، وهذا يتطلب أن تكون سياسات الولايات المتحدة الامريكية في التعامل مع الصراع تتوافق مع طموحات وحقوق الجميع، لذلك من المفيد والضروري دعوة أطراف الصراع إلى مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة أساسه تطبيق قرارات الشرعية الدولية وليس التفاوض عليها لإنهاء الصراع واحلال السلام في أرض الديانات الثلاث.
سيادة الرئيس: تغيير مسار التاريخ يصنعه العظماء، وإننا إذ نرى فيك الإنسان الرئيس الشجاع، القادر على صنع السلام في المنطقة، بل وفي العالم، السلام الذي يحقق أمن إسرائيل من جهة ويضمن أيضا حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره من جهة أخرى، فالسلام يعني العيش المشترك والعلاقات السليمة، ننتظر ونتمنى أن تفعلوها لإنهاء الظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني من جهة، ولضمان الأمن والسلام والعيش المشترك في المنطقة والاقليم والعالم أجمع.
مع الاحترام
منيب رشيد المصري