رغم ما انطوى عليه فيروس كورونا من حالات هلع وخوف وقلق سادت دول العالم ومنها بطبيعة الحال الاردن، بطريقة أكدت على أن تعاطي بلدنا معه مثل نموذجا يحتذى، اتخذ أشكالا مختلفة تراوحت ما بين الحكومي والامني والعسكري والشعبي.. فان هذا التعاطي عكس صورة حضارية اردنية نالت إعجاب المجتمع الدولي وباتت حديثه في كيفية توظيف امكانات الاردن وقدراته المتاحة بالشكل الذي أفرز هذا النموذج الطبي الفريد والرائع. ورغم هذا النجاح اللافت فقد استوقفتنا المحطة المالية في هذا المشوار الوبائي، معبرا عنها بالتبرع إلى الصناديق المختلفة التي أنشأتها الحكومة بهدف مواجهة التداعيات المالية السلبية المترتبة على هذا الفيروس، كتقديم مساعدات مالية لبعض العاملين في مؤسسات الدولة العامة والخاصة باجرة يومية كعمال المياومة مثلا، ولشرائح اجتماعية فقيرة ومعوزة. لكن المفاجأة او الصدمة المدوية كانت بقيمة التبرعات المتواضعة، وغياب شخصيات أردنية بارزة عن المشاركة او المساهمة في هذه الفعالية الوطنية الرمزية، كاعتراف منها بفضل الدولة التي اغدقت عليها من نعيمها وخيراتها الكثير. سواء التي شغلت مواقع وظيفية هامة ومتقدمة، او تلك التي وفرت لها الدولة كافة سبل النجاح لمشاريعها واستثماراتها بطريقة زادت من ارصدتها المالية.
وانني سأركز هنا على الشخصيات الرسمية التي تقلدت مناصب رفيعة.. خاصة انها عودتنا على توظيف الفعاليات والمناسبات الوطنية التي تحضرها وتشارك بها، والمنابر الإعلامية التي تغطي هذه الفعاليات في تسجيل المواقف الوطنية من خلال تعظيمها للوطن وتقديسه، واظهار استعدادها للتضحية من أجله وعدم التخلي عنه تحت أي ظرف، ودعوتها المواطنين بضرورة الوقوف إلى جانبه والدفاع عنه ومواجهة التحديات والمخاطر التي تتهدده، حتى انها تشعرك بأنك أمام نموذج يحتذى في الولاء والانتماء وحب الوطن. ويخيل لك وانت تتابع هذه البطولات التي تسطرها هذه الشخصيات من على منابر الإعلام، أنها تتحين الفرصة وتنتظر اللحظة التي ترد فيها جزءا من جميل الوطن وفضله عليها، لتقدم للناس درسا في أصول الدفاع عنه، وقد خصها وكرمها ورفع من شأنها ومكانتها الاجتماعية ومستواها المعيشي والمالي وجعل لها قيمة وحضورا مميزا في المجتمع الاردني، وهي التي لم تكن لتصل الى هذا المستوى الرفيع، لولا أنه قد جرى اختيارها وتقديمها على العديد من الشخصيات لتكون في هذه المنزلة الرفيعة.
وعندما بدأت عجلة التحضيرات والاستعدادات ( والاجراءات والتضحيات ) الوطنية بالدوران، لمواجهة خطر وباء كورونا، بما في ذلك التحضيرات المالية التي اتخذت طابع التبرع للوطن، فإذا بهذه الشخصيات تفشل مع أول اختبار وطني حقيقي، امكن من خلاله كشف حقيقة مواقفها التي تبين بانها كانت كلامية وصورية، ولم تتعدى الشعارات والعبارات الانشائية الحماسية، التي لم ترتب عليها أي التزامات أو مسؤوليات تجعلها تراعي أو تدقق فيما تقوله من كلام منمق، وما تمارسه من ادوار تمثيلية تجاه الوطن.. ثبت أمام تحدي كورونا أنها كانت مجرد هوبرة إعلامية استعراضية تقتضيها الضرورة والاجواء العامة التي تلف عالم المناصب الذي خبرته وعاشت نعيمه.
حتى انها بعد أن اختفت طوال الفترة الماضية التي استحوذت خلالها أخبار كورونا على المشهد الوطني، لكي لا يتذكرها الشارع الأردني ويحرجها بمطالبته لها بالتبرع للوطن في هذا الظرف الطارئ والاستثنائي الذي يمر به.. فإذا بها وبمجرد أن شعرت بعودة الأمور إلى طبيعتها تقريبا، تعود مرة أخرى لتمارس نفس الدور الاستعراضي في التنظير والمزايدة وبيع الوطنيات على الاخرين، دون خجل او حياء بعد ان انكشفت على حقيقتها، واثبتت للمتابع ان هموم الوطن وقضاياه آخر اهتماماتها واولوياتها، وما هي الا فرص او مناسبات او وسائل تستغلها في عرض امكاناتها الخطابية في تسجيل المواقف، التي ثبت زيفها لتبقى في الذاكرة الوطنية، لتذكير مطبخ القرار الاردني بانها ما تزال موجودة على الساحة.. لعل وعسى ان تعود الى عالم المناصب من جديد.. ان لم تكن هي فورثتها من الابناء والبنات.
ومع تعرية مواقف هذه الشخصيات الوصولية، وغير المرحب بها شعبيا ووطنيا على وقع دروس كورونا المستفادة، فان الضرورة تقتضي من وسائل الاعلام الاردنية المختلفة مراعاة المشاعر الوطنية وعدم استضافة هذه النوعية من حملة الشعارات والخطابات المنمقة والفارغة، حتى لا يتم منحها فرصة اخرى للمراوغة والتضليل وتسجيل المواقف المزيفة. فالواجب الوطني يملي على وسائل اعلامنا، كما الجهات الاردنية الرسمية التي تتولى اقامة الفعاليات والاحتفالات بالمناسبات الوطنية، اشعار هذه الشخصيات المقصرة مع الوطن، بانها لم تعد موضع احترام المواطن وثقته، ولم تعد ايضا ضمن خيارات الدولة في تولي المناصب المتقدمة، بعد ان خذلت الجميع بفعل مواقفها غير المسؤولة تجاه الوطن عندما فشلت في اختبار التبرعات المالية تحديدا خلال ازمة كورونا.