عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب.
نرد على من يقللون من دور المستقلين الفلسطينيين في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بالقول : هؤلاء قد يكونون مستقلين عن الفصائلية الفلسطينية المعروفة، لكنهم ليسوا مستقلين عن القضية الوطنية الفلسطينية، بل انهم الأكثر التصاقاً بها منذ بدأت وقبل تشكيل أي فصيل أو حزب أو تكتل مذهبي..
كان المستقلون الفلسطينييون شعلة ونبراسا في حركة الشعب الفلسطيني المقاومة ، وقد كانوا العين الحارسة والضمير اليقظ ، وقد انخرطت منهم أسماء وازنة في مسيرة هذا النضال وأخذ مواقعها المتقدمة في القرار وكان لها دور مشهود .
أقدم هذه المقدمة لأقول إن الدور الذي يلعبه “السيد منيب المصري” يصب في هذا الاتجاه، وهو يواصل حمل راية المستقلين بفاعلية ، ويذكر بدورهم ويوسع لهذا الدور الذي لا يتناقض مع المكونات السياسية للنضال الفلسطيني، بل يضفي لونا أساسياً آخر هو لون التيار العريض من شعبنا .
ظل المستقلون يتمتعون بهامش أوسع للحركة، وظلوا ملاذ الشارع حين كانت تتعثر الفصائلية أو تفقد بوصلة الاتجاه، فقد ظلت مفاتيح الشارع مع المستقلين الذين ملأوا فراغاً واسعاً وسدّوا ثغرات وما زالوا يفعلونها، “ففي الليلة الظلما يفتقد البدر” وهاهم أي هذا التيار بما توفر من استعادة تحريكه يحضر مجموعة كبيرة من الباحثين والأكاديميين والمفكرين والاقتصاديين والإعلاميين إلى جانب غير المستقلين لإضاءة الطريق في مواجهة سياسات الضم والتوسع الاسرائيلية الجديدة، وها هو منيب المصري يدعو لذلك ويمارس ذلك وقد نجح وما زال ، وشكل حالة من الحوار الساخن المتقدم الذي لا يملك فصيلا مفرداً كامل رؤيته..
هذه الحلقة الثانية من الحوارات التي بدأ أولها مع بداية انتشار الكورونا في بلادنا، ولم يوهن أصحاب الفكرة انتشار الوباء أو الخوف منه حين اعتمدوا أشكالاً من التواصل الإلكتروني لإنجاز مهمة نجحت.
والأن يصعد المتحاورون إلى الحلقة الثانية الأوسع والأهم لمناقشة ما سمي بـ “صفقة القرن” وسياسات الإحتلال فيشخصون الواقع ويصفون كيفية الخروج به إلى أفق يضمن استمرارية نضال شعبنا وانتصاره، ودفع كل أشكال العدوان والاحتلال والتآمر عنه..
شاركت في الحلقة الأولى من الحوار ولم أشارك في الثانية، رغم أنني دعيت إليها ، إذ لم أجد لي إسما في القوائم فاعتقدت أن الحوار استلزم ذلك.. ولكني أرى أن المتحاورين قد أضاءوا مساحات واسعة للتفكير الجاد والعميق في قضية شعبهم ، وأنهم ساهموا بإلهام وتنوير أصحاب القرار بما يرون ويعتقدون ويدعون ، وأعتقد أن الرئيس أبو مازن – حفظه الله – كان أكثر المحتفين بثمار هذا الحوار والحاجة إليه، والاستظلال بهذه الرؤية التي ساهم فيها من خلال مؤسسات المنظمة والسلطة، فقد ساهم الدكتور صائب عريقات وساهم الدكتور محمد اشتية وساهمت فتح وفصائل أخرى، وساهمت جامعة القدس ورئيسها النشط الدكتورعماد ابوكشك، كما ساهمت كوادر قيادية سياسية وأكاديمية واعلامية ومراقبة في الحوار، وعمقته واستفادت من التجارب السابقة، وتعلمت دروسا لم تكن تتوفر في الصراع الذي بدأ بحاجة ان تزج فيه كل الامكانيات الفلسطينية على اختلافها وتعددها، خاصة وان باب المقاومة الشعبية الواسعة المتعددة الوسائل قد فتح، لتشكل مكونات هذه المقاومة سلم الصعود الى الاستقلال والحرية وانجاز الدولة المستقلة…
استمعت الى الحوارات المثمرة والى كلمة السيد منيب المصري الافتتاحية، والى كلمات أخرى ومداخلات جادة وعميقة وقائمة على التشخيص وجريئة وناقدة بشجاعة، “فالسكر الزيادة” على رأي الرئيس الراحل ياسر عرفات ظل يميز القهوة الفلسطينية عن غيرها مما توقفت في حدود المرارة، كما ظلت “غابة البنادق” وهذه ايضا من اقوال الراحل عرفات تسمح بمرور الهواء العليل ومن يريدون الاستمتاع بالمشهد أو المشاركة فيه..
اثبت الصمود الاسطوري للشعب الفلسطيني قدرة غير متناهية وقد تماهت القيادة الفلسطينية اخيرا مع هذا الصمود، ودعت لتكريسه وهي تكنس من أمامها و عن نفسها كل أوراق و أوساخ الالتزامات الواهية التي لم تلتزم بها اسرائيل، وكان حال الشعب الفلسطيني قبل الخروج من الاتفاقيات حال المثل القائل: “رضينا بالهم والهم ما رضي فينا” فقد وجدوا وهم مترددون أصلا ان “المعبد قد أغلق فقالوا جاءت منك”!!..
حوارات مؤتمر الإستراتيجية الوطنية لمواجهة القرن و سياسات الاحتلال المعقود عبر التواصل الإلكتروني بتقنية “زوم” المميزة أدرك هدفه، فقد جاء منسجما مع قرار القيادة الفلسطينية ورافعا لقراراتها في التحلل من الاتفاقيات، ومؤشرا الى الخيارات المتاحة لتعزيز الصمود والمساهمة في إعداد الاستراتيجية الوطنية، بما ينسجم مع ما يواجهه الشعب الفلسطيني وقيادته من تحديات…
المؤتمر استهدف حشد كافة طاقات الشعب الفلسطيني بكل أطيافه للمواجهة ،مشددا على ضرورة إنهاء الانقسام ووصولا الى الوحدة الوطنية لتعزيز المقاومة الشعبية وتأصيلها، باعتبارها الأداة الممكنة في تجميع طاقات الشعب الفلسطيني وانخراطه في النضال الفاعل.
لقد كان لمشهد الحوار بين فتح وحماس الذي رأيناه على التلفزيونات مبعث أمل وتفاؤل، وهي انطلاقة لا يجوز ان تنقطع ولحظة لا يجوز ان تطفأ شعلتها، بل يجب الضغط الشعبي القوي للحفاظ عليها والسير بها نحو التئام الجرح الذي سببه الانقسام، ولعل هذا الحوار الذي اطلقه منيب المصري يصب في هذا الاتجاه، و يوفر المزيد من الادبيات لهذه اللحظة التي أعلن فيها الشروع في بناء وحدة موقف وصف لمواجهة أكبر وأخطر تحدي يواجه قضية الشعب الفلسطيني منذ بدأت هذه القضية وحتى اليوم، لان هذا التحدي يأخذ في هدفه تصفية هذه القضية واقتلاع جذورها…
لست بصدد الحديث عن كل ما ورد في حوارات المؤتمر الذي استمر ليومين، والذي قد يعاود الانطلاق في وقت آخر وبجدول وأجندة اخرى، ولكن في هذا الحوار التقى الداخل بالخارج، والفصائلية بالمستقلين، والتقت قيادات عديدة عن مواقف واهداف موحدة ، واذا كان المستقلون قد حضروا وقدموا رؤيتهم في اطار رحبت ورعت وأيدت فيه القيادة الفلسطينية لهذا الحوار، فإنني اقترح على المستقلين وعلى رأسهم منيب المصري الذين انجزوا ذلك للاستدارة قليلا ووضع حماس وقيادتها على الهواء لاستئناف نفس الحوار، وحتى نرى كجمهور وشعب طبيعة الموقف و مدى جديته، وما اذا كان موقف حماس ما زال يشكل استمرار نزف للجسد الفلسطيني، ويقدم مشجبا يعلق عليه الاحتلال وقوى اخرى الذرائع التي لم تعد تصلح..
يستطيع المصري ان يفعل ذلك، فله من النزاهة والموضوعية و”خلو الشهوة” ما يمكنه من ذلك، فقد ظل الرجل في مسعاه مقبولا من كل الأطراف، وقادرا ان يقول من الذي يعطل مسيرة الوحدة الوطنية، او يستثمر فيها بادخال قوى اقليمية على المشهد الفلسطيني، لتنال من القرار الفلسطيني المستقل..
الحوارات المقدمة مفيدة، ولعل خلاصاتها تصلح لتكون جزءا من الرؤية الفلسطينية المستقبلية في رد التحدي الاسرائيلي والتغلب عليه باتجاه استمرار بناء الدولة الفلسطينية المستقلة، واعلانها على ارض فلسطين والعمل على الدفاع عنها بكل قوة!!