المقال السابق، المنشور يوم الثلاثاء الماضي، 30، حزيران، بعنوان «تصحيح منظور الاعفاءات الضريبية»، لفت نظر الصديق جواد عباسي الذي رفض ما جاء في المقال بشكل قاطع. مستنداً على أن شمول كل مستويات الدخل في الضريبة غير معمول به، ولا توجد دولة في العالم تعمل بهذا المنظور (فرض الضريبة على كل الدخول). كما أنه اعترض على أن منظور (عدم الاعفاء الضريبي للدخول المنخفضة) غير عملي، من حيث إن الملفات الضريبية للمكلفين ضريبياً، قد تكون كلفتها أعلى من الضرائب المستوفاة عليها. هذه الملاحظات من باحث اقتصادي مقدر، تقتضي من جانبي التوضيح، بإشارات بسيطة.
لقد فرضت الضريبة المباشرة على الأجور في الولايات المتحدة، في سياق تأمين تغطية نفقات الحرب العالمية الثانية. وقد تبنى المقترح ودافع عنه، آنئذ، ميلتون فريدمان، قبل أن يقدم نموذجه المخالف للنموذج الكينزي. كما أن معظم دول «منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي» الــ (OEDC)، ما زالت تطبق فكرة الضريبة العامة على الدخل. وفي بعض الدول مثل النمسا تبدأ الضريبة من 14 %.
والفكرة كما تطورت عام 1940، وعبر عنها ميلتون فريدمان، اتخذت اسم “ضريبة كشف الرواتب” (Payroll Tax)، أو الأيداع الضريبي (Tax Credit). وملخصها أن يدفع كل صاحب دخل (بغض النظر عن قيمة الدخل) ضريبة تخصم من دخله، بشكل مباشر. بحيث يدفع المشغل، ضريبة عن العاملين لديه، كما يدفع الذي يعمل بمشروع صغير ضريبة عن دخله.
الصيغة المعتمدة في الأردن، وهي اعفاء الدخل المنخفض عن حد معين من الضريبة، تنتمي إلى فكرة ملتبسة، لم تطبق على نطاق واسع، وهي فكرة «ضريبة الدخل السلبية». والملتبس في مثل هذه الفكرة، التي اقترحها ملتون فريدمان عام 1962، في كتاب «الرأسمالية والحرية» كبديل لفكرة تأمينات البطالة (Welfare)، تعاني من معضلات عملية ومنطقية رياضية، لهذا لم يتم تطبيقها. وقوامها أن الذي يقل دخله عن مستوى معين يحصل على دفعات من الخزينة توصله إلى «حد التكليف». وبالتالي، فإن فكرة الاعفاءات الضريبية، المعتمدة في الأردن، هي التي لا تطبق على نطاق عالمي، وهي التي تعارض النماذج الاقتصادية المتناسقة، كما أنها، مطبقة بشكل مجزوء، ولا تتضمن تعويض جدي لمن يقل دخله عن «حد التكليف».
المختلف عالمياً، في ضريبة الدخل التي تفرض على كل الدخول بغض النظر عن قيمها، هو بعض الاعفاءات على مجالات محددة من المصاريف، وهي مرتبطة بقيام المكلفين بنشاط محدد، مثل اعفاء جزء من الدخل لمن «يتبنى طفل». وهذا يؤكد أن الاعفاء ليس متعلق بمستوى الدخل، ولكنه متعلق بنشاط اقتصادي يقوم به المكلف بدفع الضريبة. كما أن هذه الاعفاءات يمكن وقفها، أو إعادة هيكلتها، في حالات الطوارئ والحروب والازمات الاقتصادية.
المعضلة الأخرى المتعلقة بتطبيق منظور «الضريبة السالبة»، أو ربط التكليف الضريبي بحد ادنى للدخل، والتي منعت دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة، منذ ثمانينيات القرن الماضي من تبنيه وتطبيقه، ناتجة عن إعادة ربط ضريبة الدخل، بالبعد الاجتماعي (الحرية الاقتصادية)، وليس بالخزينة. وهذه معضلة رياضية، حيث تصبح حدود الحلول الرياضية متحركة (Moving Boundaries). فما دام الاقتصاد متعلق بالناس، فإن افتراض حد أدنى للتكليف الضريبي، يؤدي إلى انهيار الاتساق الرياضي الذي يربط الدولة (الخزينة) بالنشاط الاقتصادي (الأفراد)، مما يمنع من تطبيق صيغة حسابية متناسقة وقابلة للإدارة، للتخلص من فجوات الدخل التي تقل عن مستوى معين، بسبب الالتباس بين الدخل الأسمي والدخل الحقيقي (أو الأجور الأسمية والأجور الحقيقية).