عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
فهو باسم كما يظهر وهو سعيد على ما اعتقد، فالابتسامة ظاهرة والسعادة لا بد لها من تجليات.. هو طبيب الكبد الذي تخطت الحكومات المتعاقبة اختياره لحقيبة الصحة التي قد يصلح لها كثيرون ولكنه الأكثر ادراكا ومعرفة بطبيعتها لما يتمتع به من حرص ومسؤولية وأمانة وطول خبرة وعلاقات عامة واسعة مع الطبقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. هنا في الداخل وفي الخارج..
فقط هو ضعيف في حق نفسه .. قوي في حق الاخرين ومساعدتهم ، ما قصدته او غيري إلا وكان ممن يغيث ويساعد وينصح ويبادر، وقد يسأل عنه من لا يعرفه وهم قليلون جدا ويؤخذ له شهادات اعمدة الطب مثل الدكتور يوسف القسوس وعرّابين آخرين لا مجال للتوسع في ذكر اسمائهم…
باسم سعيد ..كان عنوانا لاستقطاب المرضى العرب من ليبيا واليمن والجزائر حتى السعودية وبلدان اخرى، حين كانت الدنيا قمرة الربيع ، قبل ان يبسط الربيع العربي ظلامه على المنطقة ويقطع اوصالها ويشغل شعوبها بنفسها. وقبل ان تأتي الكورونا لتقطع ما بقي من اوصال وتبني الأسوار بين بلدان امتنا حتى اصبحنا نعيش في جزر معزولة نحشر فيها انفسنا برضانا..
أعلم في السنوات الماضية ان الدكتور باسم سعيد الذي اكتب عنه دون رضاه ومعرفته – فهو لا يحب الاطراء – انه رفض عقود للعمل كمدير في اكثر من بلد عربي، ومع اكثر من شركة وحكومة، وانه ظل يفضل مستشفاه الصغير “مستشفى عمان الجراحي” على ما غيره من مدن طبية في الخارج لاعتبارات يراها ويستطيع تبريرها والاقناع بها..
واعتقد ان ابرز اسبابها انه ملّ الغربه من ولادته وصباه وحتى دراسته، ولذا فإن تعلقه ببلده الاردن لا حدود له، وحبه في خدمة مواطنيه تبدى في استقبالاته الشعبية والعامة على مختلف المستويات في مكتبه وفي الميدان حيث ردهات المستشفى..
يظل يتقت العمل العام وينتمي اليه.. ولذا جرى انتخابه رئيسا لجمعية المستشفيات الاردنية فوق انه مدير عام مستشفى عمان الجراحي.. حين ترشح أفرغ له زملائه المكان لاحترامهم له ولإدراكهم بعمق وأريحية عطائه ورغبته في خدمة الصغير قبل الكبير..
يحسب الدكتور باسم على التكنوقراط، فقد ظل مثقفا بالسياسة ولكنه ظل يرفض ان يتلوث بها او ان تأخذه من احترافه ومهنته وقسم بقراط الذي أخلص له..
لديه افكار خلاقة في تطوير القطاع الصحي والارتقاء به على مستوى القطاع العام /الحكومة او على مستوى القطاع الخاص ومستشفياته او حتى لقطاع الدواء والصيدلة واسواقها.. وكذلك ما يتعلق بالتأمين العام للعموم ورؤيته لذلك ضمن ضغط الانفاق وتوحيد جهات الانفاق على الصحة.. وهو يعتبر ان وزارة الصحة واجهة اردنية ومعالم اساسية في الملامح الاردنية التي ظلت تحمل الاهتمام بالانسان الاردني وصحته، وقد جرى ترجمة ذلك في الامتحان الوطني أمام وباء الكورونا حيث نجحنا في هذا البعد بامتياز وبقي البعد الذي ربما الأخطر والأهم وهو ما بعد الكورونا صحيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، ومن هنا يدرك الدكتور باسم كما تحدث لي بحضور مجموعة من الشخصيات العامة فيها رئيس الوزراء السابق المميز ورئيس مجلس الاعيان فيصل الفايز ورئيس الديوان الملكي الوفي ناصر اللوزي و حكيم البنك المركزي المحافظ زياد فريز و مجموعة اخرى كبيرة ضمهم هيثم المجالي الى مائدته ليتمتعوا بمساءات عمان الجميلة ضمن الاشتراطات الصحية المحافظة التي فرضها أبو غيث في عدم التسليم باليد على الحاضرين ومخاطبتهم عن بعد كاف في مشهد يرضي الله ورسوله وقائد البلد ووزير الصحة..
لم يعرف عن باسم انه أغمط احداً حقه ،فما ان تذكر احداً حتى يثني عليه أو يصمت ،وهذه عادة غير اردنية وهو يدافع عن الغائب ويقر له فضله، ولا يجامل الحاضر ويحفظ له مكانته..
يفتقده اصدقاؤه حين يغيب ليس كطبيب وان كان ذلك قائما، وانما كإنسان ومجالس طيب المعشر..
عرفت اخيرا انه طبيب امراض داخلية متخصص في الكبد وما جاوره، رغم انني كنت اعتقده في مجال النسائية، فلما عرفت ذلك أنشدت ما قاله قيس بن الملوح الذي عاش تباريح الحب والهوى والصبابة، وقد كانوا يعتقدون بعلاقة الحب بالكبد وان الكبد مكمن العاطفة حين قال:
وَلي كَبِدٌ مَقروحَةٌ مَن يَبيعُني
بِها كَبِداً لَيسَت بِذاتِ قُروحِ
أَبيعُ وَيَأبى الناسُ لا يَشتَرونَها
وَمَن يَشتَري ذا عِلَّةٍ بِصَحيحِ
وقول الشاعر حطان بن المعلّى :
وإنّـمــا أولادُنــا بيننـــا ***أكـبــادُنـا تمشــي علــى الأرضِ
لو هَبّتِ الريحُ على بعضهـم ***لامتنعتْ عيـني من الغَمْضِ
وهو ما دفع المغني فهد بلان للقول:
جس الطبيب لي نبضي فقلت له ان التألم في كبدي فاترك يدي يا سيدي.
والكبد في اللغة من المكابدة اي المعاناة وفيه قوله تعالى “انا خلقنا الانسان في كبد” اي معاناة.
ويبدو لي أنني نسيت باسم سعيد وذهبت الى الحديث عن تخصصه واستهوتني اللغة وآدابها باعتبارها الصنعة.. لكنني اعود الى باسم الذي يميل علية القوم للقدوم اليه والتعامل معه والتطبيب في مستشفاه، وكلهم يخرجون وقد رافقتهم السلامة واحاديث شجية ومعاملة لطيفة واستجابة لمقترحات…
ويستطيع الكثير من اصدقائي وخاصة عبد الحي المجالي تأكيد ذلك وبشكل واسع ..
يبقى ان اقول ان الادارة العامة للدولة والتي تمثلها الحكومة لا بد ان تلتفت الى امثال باسم سعيد ليكون عمله فيها تكليفا لا تشريفا وانتماء وطنيا وعطاءً لا أخذاً، فمثله لا يحب البهرجة ويؤمن بضرورة الالتزام والحفاظ على المال العام والتمييز بين شمعة عمر بن عبد العزيز التي من حقه ان يضيئها في اي وقت وشمعة بيت مال الأمة التي لا يحق له ان يضيئها الا وقت العمل العام ..
ما استمعت اليه من باسم سعيد هذا الاسبوع عن خطط لتطوير القطاع الصحي الرسمي العام وحتى الخاص يشكل برنامجا اتمنى له ان يرى النور في الحكومة الجديدة التي ادعو باسم سعيد ان يتقدم اليها ببرنامجه..