عروبة الإخباري – ألقت الكاتبة ووزيرة الدولة لشؤون المرأة سابقاً ناديا هاشم العالول محاضرة عبر الاتصال المرئي بعنوان «الثقافة المجتمعية ما بعد جائحة كورونا: التغيير نحو الأفضل»، استضافها منتدى الفكر العربي، ودعت فيها إلى إصلاح الثقافة المجتمعية باعتبارها طريقاً للإصلاح الجمعي عبر تنمية اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وصحية وبيئية؛ مشيرة إلى أن الإصلاح يبدأ بالنفس أولاً لكون هذه الثقافة ناجمة عن تربية زرعت عادات تراكمت بدورها لتصبح سلوكيات شكلت تراكماتها ثقافة مجتمعية سائدة من إيجابية أو سلبية وما بينهما. وشارك في المداخلات حول موضوع المحاضرة عدد من الأكاديميين والخبراء الدوليين العرب والناشطات العربيات في الحقول الاجتماعية والثقافية والحقوقية من لبنان وسويسرا والبحرين والعراق والكويت والأردن.
وقالت العالول: إن التركيز على تغيير العادات التي تحمل في جوانبها ممارسات قد تكون ذات تأثير سلبي أحياناً، يؤدي إلى ثقافة ووعي أفضل واستنارة استثنائية، ودون ذلك لا يمكن للتنمية أن تحلق والجناح الاجتماعي الثقافي مهيض؛ موضحة أن المجتمع لا ينهض من دون احترام الآخر والالتزام بالقانون وإتقان العمل وتطبيق الروح العلمية على القول والفعل والسلوك، والانشغال بالتناقضات والنزاعات يشغلنا عن أي إنجاز حقيقي متقن وحقيقي في التنمية الاقتصادية تسير مع التنمية الاجتماعية نحو تنمية شاملة ومستدامة.
وأشارت العالول إلى أن التغيير الأقوى والأفضل الذي لمسناه مع الظروف التي فرضتها جائحة كورونا هو في ظهور بعض الحلول التكنولوجية مثل التعليم عن بُعد، والعمل من البيت، وفاعلية التواصل التقني، مما أدى إلى تخفيف ازدحامات السير، وانبعاث الغازات من المصانع وتخفيض ثاني أكسيد الكربون في الجو مما أصلح ثقب الأوزون، مع أننا لا نريد للصناعات أن تتوقف لكن آن الأوان للالتزام باتفاقيات مثل «اتفاقية كويوتو للتخفيف من التغير المناخي» عبر تقليص الأكاسيد المنبعثة من صناعات تقليدية والاتجاه إلى صناعات رفيقة بالبيئة.
وأضافت أن درس الجائحة علمنا أن هنالك إمكانية للوصول إلى نتائج إيجابية نتيجة تغيير بعض العادات للوصول إلى وعي صحي وبيئي وتعليمي، غير أن التغيير الأسوأ كان في الوضع الاقتصادي الناجم عن البطالة، وتراجع الوضع النفسي عند البعض مما يحتاج إلى إعادة تأهيل، ووضع استراتيجيات مناسبة على مستوى المواطن والحكومة لمواجهة التغييرات عبر أهداف وخطط وبرامج يتم إدارتها بمهارة وشفافية ومساءلة في إطار المتابعة والتقييم.
أدار المحاضرة، التي أقيمت يوم الثلاثاء الماشي، وشارك في مناقشتها وزير المالية الأسبق والأمين العام لمنتدى الفكر العربي د. محمد أبوحمور، الذي أشار في كلمته إلى أن أزمة جائحة كورونا تعد من الأزمات الكبرى في تاريخ البشرية، وهنالك تغييرات على المستوى الاقتصادي بدأت تظهر نتيجة هذه الجائحة، منها التغير الكبير والواضح في نمط الاستهلاك مع تقدم بعض السلع بأولويتها وتراجع أهمية بعضها الآخر في سلة المستهلك بسبب تغيّر مستويات الدخل.
وأشار د. أبوحمور إلى أن مشاريع منتدى الفكر العربي مثل «الميثاق الاجتماعي العربي» و»الميثاق الاقتصادي العربي» والمواثيق القادمة «الثقافي»، و»البيئي»، و»السياسي»، إضافة إلى مشروع «النهضة الفكرية العربية»، تعد مصادر ثرية بالأفكار لمواجهة التحديات المستقبلية والتأسيس لثقافة عربية قادرة على تمتين الوشائج في مختلف المجالات وبين قيم الأصالة ومتطلبات التحديث.
وأكدت المحامية والناشطة الحقوقية مستشارة الأمم المتحدة باتريسيا إلياس من لبنان، في مداخلتها، أهمية العودة للزراعة في الوطن العربي بعد أن أبرزت الجائحة تحديات في الأمن الغذائي، ولضمان الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في هذا المجال وكذلك في مجال الصناعات، فيما هنالك حاجة لتنسيق خطط مشتركة بشأن وظائف المستقبل ومجالات العمل الممكنة لمواجهة مشاكل البطالة المتزايدة.
كما أكدت المحامية إلياس أهمية التعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص في ضوء ما كشفت عنه الجائحة العالمية من ضرورة التواصل والتنسيق بين القطاعات المختلفة، والاستفادة من الكلفة المنخفضة للتواصل عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة لتعزيز الابتكار، إضافة إلى تعزيز التواصل المجتمعي والأسري.
وأوضح مدير مركز أعمال الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جامعة زيورخ للعلوم التطبيقية في سويسرا وعضو المنتدى خلدون ضياء الدين، أن العادات السلوكية في المجتمعات لها جانب مرئي وآخر غير مرئي، وحتى نستطيع الوصول إلى فهم ومعالجة غير المرئي لا بد أن يكون المقياس أخلاقياً إلى جانب تطبيق الإدارة الرشيدة وسيادة القانون.
وأوضح ضياء الدين أنه لا بد من تفعيل عملية التنوير نحو الثقافة المجتمعية الإيجابية عبر ثلاثة مسارات رئيسية تتلخص في: أولاً قانون يتمتع بقوة النفاذ لتوجيه المجتمع إلى اكتساب الثقافة الإيجابية، وثانياً وجود توافق على المصالح المشتركة بين المجموع، وثالثاً تعزيز قوة المعتقدات ومبادئ الأديان السماوية والقيم الأساسية في الاتجاهات الشخصية نحو الإيجابية المطلوبة، بما في ذلك مكافحة مظاهر فقدان الثقة بالذات والآخر في هذا السياق .
وأشارت رئيسة جمعية البحرين النسائية وعضو المنتدى من البحرين د. وجيهة البحارنة إلى ضرورة استثمار الفرص التي أتاحتها أزمة كورونا واغتنام إيجابياتها من مبدأ تحويل المحنة إلى منحة، ذلك أن هذه الأزمة جعلت الجميع يتنبهون إلى أنهم في الحقيقة يعيشون على كوكب واحد، مما يدعو إلى إذابة الفروقات والاستفادة من الوقت المتاح حالياً لتعزيز التعاون وتقليل الخسائر ما أمكن .
ومن جهته أشار مستشار التنمية الاقتصادية الدولية وعضو المنتدى من العراق د. باسل البستاني إلى أن أزمة كورونا لها سلبياتها من خسائر في الأرواح وخسائر مادية على صعد مختلفة، لكن لها أيضاً إيجابياتها في إثبات أن المجتمع ما يزال حياً وإنسانياً في الاستجابة، وأسهم الحجر المنزلي في توثيق العلاقات الأسرية.
وتناولت الأستاذة في جامعة الكويت ورئيسة المنظمة الدولية لتمكين قدرات المرأة في لندن د. ابتسام القعود الجانب المتعلق بالمشاكل الأسرية الذي كشفت عنه الأزمة بما في ذلك العنف الأسري، وبينت أن أزمة الأخلاق في المجتمعات تتطلب التركيز أكثر فأكثر على التوعية ومبدأ الالتزام بالاستقرار والتقارب الأسري، ودعت إلى ميثاق أخلاقي يعالج مشكلات العنف واختراق القوانين، وزرع التوعية في الأسر والمدارس والجامعات في هذا الصدد.