إن الوجود العربي الفلسطيني، الإسلامي، والمسيحي، في مدينة القدس، وأحيائها الداخلية، وعلى محيطها، وجود متجذر على الأرض الفلسطينية، ولن تستطع أن تقتلعه سياسات الاحتلال الإسرائيلي، ولم تستطع تلك الممارسات أن تجعل من الفلسطينيين أقلية على أرض مدينتهم. لكن بالمقابل علينا أن ننتبه بأن دعم صمود المقدسيين بحاجة لروافع عربية وإسلامية..
يعيش الشعب الفلسطيني هذه الأيام الذكرى الــ72، لنكبته الكبرى، والذكرى الــ53 لعدوان حزيران/يونيو 1967، والتي تم من نتائج (نكبته الأولى) تدمير كيانه الوطني والقومي، وتشريد أكثر من 65% منه إلى مناطق داخل أرض فلسطين التاريخية (الضفة الغربية وقطاع غزة)، وإلى دول الطوق المحيط بفلسطين (الأردن + سوريا + لبنان).
كانت مدينة القدس، وما زالت، ضحية كبرى من ضحايا النكبة وما تلاها، خصوصا بعد حرب حزيران/يونيو 1967، حيث ما زالت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تُسلّط عليها سيف التهويد والاستيطان لمحو الوجود العربي بداخلها، وتحويلها لمدينة يهودية صافية على المديات البعيدة دون مواطنيها الأصليين من العرب الفلسطينيين أصحاب البلاد. ففي العام 2019 فقط، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدم وتدمير 678 مبنى في الضفة الغربية، منها حوالي 40% في محافظة القدس بواقع 268 عملية هدم، وتوزعت المباني المهدومة بواقع 251 مبنى سكنيا، و427 منشأة، كما أصدر الاحتلال “الإسرائيلي” خلال العام 2019 أوامر بوقف البناء والهدم والترميم لنحو 556 مبنى في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة.
وحسب مؤسسة المقدسي، ومركز عبد الله الحوراني للدراسات، فمنذ العام 2000 وحتى 2019 تم هدم نحو 2,130 مبنى في القدس الشرقية (ذلك الجزء من محافظة القدس الذي ضمته دولة الاحتلال الإسرائيلي عنوة بُعيد احتلالها الكامل للقدس وللضفة الغربية في عدوان العام 1967).
وتُقدّر منظمة مراقبة حقوق الإنسان، ووفق معطيات مكتب الإحصاء المركزي الفلسطيني في رام الله، في تقرير شامل نشره في الذكرى الــ72 للنكبة، والذكرى الـ53 للاحتلال الكامل للمدينة بجزءيها الشرقي والغربي، أن هناك نحو تسعين ألف فلسطيني في القدس الشرقية يعيشون حاليا في مبانٍ مهددة بالهدم والإزالة. فسياسات الإسكان “الإسرائيلية” في القدس الشرقية تميّز بشكل عنصري ضد الفلسطينيين، بحيث لم تُخصص للمنشآت الفلسطينية سوى 12% فقط من الأراضي، وحتى من إمكانيات البلدية المتعلقة بالإعمار، وتصليح الدور والمنازل وصيانتها، بالمقابل خصصت 35% من أراضي القدس الشرقية لبناء المستعمرات الإسرائيلية، وحتى في هذه المنطقة الصغيرة، لا يُمكن للفلسطينيين تحمل كلفة إتمام عملية استصدار تصاريح البناء، وهي عملية معقَّدة وباهظة التكلفة.
وتشير بيانات التقرير السنوي لهيئة مقاومة الجدار في فلسطين، إلى أن مجموع ما تم صرفه على الأنشطة الاستعمارية التهويدية في القدس ومحيطها، في الفترة الممتدة بين الأعوام 2011-2016 بلغ رقمًا قياسيًّا، فيما تشير بيانات منظمة السلام الآن “الإسرائيلية” فيما يخص إقامة البؤر الاستعمارية كان أقل بقليل، إلا أن هذه الظاهرة بدأت بشكل رئيسي في عهد نتنياهو كرئيس للوزراء في عام 1996، وتوقفت في عام 2005، ويلاحظ أنه في عام 2012 عاودت حكومة نتنياهو مرة أخرى إلى إنشاء بؤر استعمارية، بحيث إنه من بين 134 موقعًا تم إنشاؤها: تم إخلاء موقعين استعماريين (ميجرون وأمونا)، وتمت المصادقة على 29 موقعًا استعماريًّا (ثلاثة كمستعمرات مستقلة و26 موقعًا، كـ”أحياء” لمستعمرات قائمة)، وما لا يقل عن 35 موقعًا استعماريًّا في طور التصديق.
إن كل سياسات الاحتلال الإسرائيلي، ومشاريعه، بالنسبة للقدس ولعموم عنصر القضية الوطنية التحررية العادلة للشعب العربي الفلسطيني، بما فيها الصفقات الأخيرة لحلفاء الاحتلال، إن كل تلك السياسات لن تثني الشعب الفلسطيني، عن مواصلة كفاحه الوطني ورفضه لتلك الصفقات، وما يمس المدينة المقدسة، وفي حال أقدمت “الحكومة الإسرائيلية” القادمة على اعتداءات جديدة بحق الأقصى، فالشعب الفلسطيني جاهز للرد بالرغم من الواقع الصعب الذي يعيشه، فتجربة هبّتي البوابات الإلكترونية وباب الرحمة تؤكد أن المواجهة الشعبية وبكل الأسلحة المتوافرة قادرة على ردع الاحتلال وقبر كل مشاريعه.
وبالنتيجة، وفي الذكرى الــ72 للنكبة، والـ53 لحرب وعدوان حزيران/يونيو 1967، تقع مدينة القدس ومحيطها، في دائرة الاستهداف الأولى لعمليات تهويد الأرض واقتلاع الوجود الفلسطيني. لكن ومع هذا فالوجود العربي ما زال مُتجذرًا على أرض المدينة، لكنه بحاجة للدعم العربي والإسلامي على كل مستوياته المادية والمعنوية والسياسية، وذلك في سياق معركة الصمود الفلسطيني.
إن الوجود العربي الفلسطيني، الإسلامي، والمسيحي، في مدينة القدس، وأحيائها الداخلية، وعلى محيطها، وجود متجذر على الأرض الفلسطينية، ولن تستطع أن تقتلعه سياسات الاحتلال الإسرائيلي، ولم تستطع تلك الممارسات أن تجعل من الفلسطينيين أقلية على أرض مدينتهم. لكن بالمقابل علينا أن ننتبه بأن دعم صمود المقدسيين بحاجة لروافع عربية وإسلامية، ودعم ملموس من الأصدقاء والحلفاء. فالقدس ستبقى شوكة في حلق المشروع الإسرائيلي التهويدي.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب