خيارات الأردن في العلاقة مع (إسرائيل) والمادة رقم 29
هل يحق لإسرائيل ضم غور الأردن دون أن يشكل ذلك اعلان حرب على الأردن؟
المعاهدة تنص على عدم اعتداء أي دولة على الدولة الأخرى وعدم القيام بأي عمل يهدد الدولة الأخرى.
ما الذي يمنع الأردن من تفعيل المادة 29 في وقت يقول فيه الملك بأننا سنصطدم مع إسرائيل في حال قيامها بالضم؟
تنص المادة 29 على حل المنازعات الناتجة عن تطبيق المعاهدة أو تفسيرها بالتفاوض وأي منازعة لا يمكن حلها بالتفاوض تحال إلى التحكيم.
* * *
تنص معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية على أن اعلان الحرب من قبل أي طرف من الأطراف يفضي إلى الغاء المعاهدة، ومسألة اعلان الحرب هي قابلة للتفسير وإعادة التفسير وقابلة للاختلاف.
فإسرائيل على سبيل المثال اعتبرت اغلاق مصر لمضائق تيران في شهر مايو من عام 1967 بمثابة اعلان حرب، وذهبت للدول الكبرى ومنحت فترة أسبوعين لإجبار مصر التراجع عن قرارها ومن ثم قامت بشن الحرب في الخامس من يونيو بحجة أن مصر هي من قامت بإعلان الحرب بإغلاقها مضائق تيران.
طبعا كانت هذه حجة قانونية لكن التحضيرات لحرب النكسة كانت تجري على قدم وساق منذ أن تولى إسحاق رابين رئاسة الأركان في عام 1963 وكشفت وثائق الجيش الإسرائيلي أن إسرائيل كانت تبحث عن ذريعة فقط.
وعودة إلى الموضوع، نقول أن المادة 29 من معاهدة السلام مع إسرائيل نصت على آلية لتسوية النزاعات من ضمنها التحكيم. تنص المادة رقم 29 على حل المنازعات الناتجة عن تطبيق المعاهدة أو تفسيرها بالتفاوض وأي منازعة لا يمكن حلها بواسطة التفاوض تحال إلى التحكيم.
المعاهدة أيضا تنص على عدم اعتداء أي دولة على الدولة الأخرى وأنه لا ينبغي القيام بأي عمل يهدد الدولة الأخرى. والسؤال هل يحق لإسرائيل ضم غور الأردن دون أن يشكل ذلك اعلان حرب على الأردن؟
وإذا كان الأردن بالفعل يعتبر ضم غور الأردن تهديدا مباشرا للأمن الوطني الأردني عندها يمكن القول أن الأردن يمتلك الحجة القانونية لتفعيل المادة رقم 29 من المعاهدة.
مع تفهمي الكامل لإمكانات وظروف الأردن وموازين القوى السائدة وهشاشة النظام العربي إلا أن القانون هو بجانب الأردن، فأمريكا القوى العظمى خسرت التحكيم مع بنما الدويلة الصغيرة.
والتحكيم هو منازلة صعبة وطويلة تحتاج إلى إصرار وعمل متقن. فما الذي يمنع الأردن من تفعيل المادة 29 في وقت يقول فيه الملك بأننا سنصطدم مع إسرائيل في حال قيامها بالضم. وبالمناسبة، إسرائيل لا تأبه كثيرا لتحذيرات الأردن!
فهي ترى بأن الأردن يقول ما يقوله في سياق الاستهلاك المحلي على اعتبار أن عمان تحتاج العلاقة مع إسرائيل وأمريكا ولا يمكن لها أن تخاطر بالعلاقات الاستراتيجية في وقت تعاني منه الأردن من انكشاف استراتيجي كبير.
والأخطر أن التفكير السائد في إسرائيل يفيد بأن الأردن سيتكيف مع خطوة الضم وبعضهم يذهب إلى أبعد من ذلك عندما يصر على أن وجود إسرائيل على الحد الغربي له هو من مصلحة الأردن! وهذه فكرة كان يتبناها شارون ونتنياهو اللذان كانا يصران على أن إقامة دولة فلسطينية ليس من صالح الأردن!
يرى الرسميون أن للأردن مكانة دولية كبيرة، وأنه يمكن توظيف الثقل الأردني لثني إسرائيل عن هذه الخطوة. يبدو لي أن الرسميين لا يفهمون جيدا السياسة الدولية، فصحيح أن للأردن مكانته لكن إسرائيل لا تابه كثيرا إلا بما تريده أمريكا.
لذلك أطرح عبر هذا المقال فكرة لجوء الأردن إلى آلية تسوية النزاعات مع إسرائيل بذريعة أن الضم – عمل عدائي ضد الأردن – يعكس عدم التزام إسرائيل بمعاهدة السلام التي تمنع أي دولة من القيام بعمل عدائي ضد الأخرى.
لكن ما سمعته لغاية الآن من خيارات الأردن في التعامل مع اتجاه إسرائيل ضم غور الأردن والكتل الاستيطانية الكبرى يأتي في سياق ردات الفعل ولا يصل إلى مرحلة الاستباق.
يبدو أن المطلوب القول إن الأردن يقوم بما تسمح به إمكاناته وبالتالي الكرة في ملعب النظام العربي وكأن هناك نظاما عربيا يمكن الاتكاء عليه!
* د. حسن البراري أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأردنية