صفقة القرن، وتداعياتها، والتحول الاخير والمتمثل بالتراجع عن إطلاق يد إسرائيل لضم الأراضي بشكل منفرد، يفتح للأردن آفاق لدور إقليمي جديد: يمكن تلخيصه (بالحاوية الجيوسياسية لإسرائيل). إذ أن نفي الناطقة الرسمية باسم الخارجية الأمريكية، أن تكون زيارة وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة لإسرائيل كانت لمناقشة إجراءات الضم وجدوله الزمني، وتصريحات وزير الخارجية الأمريكي، بأن إجراءات الضم تعود لإسرائيل، مؤشرات على تحول في الرؤية الأمريكية لصفقة القرن. فما يتم تناقله من أن الإدارة الأمريكية، تربط تنفيذ خطة ترامب (صفقة القرن) بالتفاوض مع الفلسطينيين “إن المناقشات حول هذا الموضوع يجب أن تدور بين إسرائيل والفلسطينيين ضمن عملية السلام”. وكذلك تربط التقدم بالعملية السلمية بتطوير العلاقات الأردنية الإسرائيلية، وتوسيع نطاقها “من الأمن إلى الاقتصاد والدبلوماسية”.
مفتاح فهم مضمون الإعلان الأمريكي وإشارته إلى أهمية دور الأردن الإقليمي “خاصة علاقته بإسرائيل”، في سياق التعليق، على ما جاء في مقابلة جلالة الملك عبد الله الثاني مع مجلة دير شبيغل، هو تأكيد ذات المتحدثة باسم الخارجية الامريكية، على: “أهمية العودة لخطة ترامب للسلام [صفقة القرن] واحضار كل الأطراف للطاولة، للعمل على خطة السلام هذه”.
إذا لم يأتي ما يفيد بالتراجع عن هذه التصريحات، فإننا أمام فرصة استثنائية متاحة للأردن، عنوانها بدء تبلور دور إقليمي جديد للأردن. صحيح أن الدور الأردني ما زال معلقاً بتطورات الصراع العربي الإسرائيلي، ولكنه (ربما للمرة الأولى) لدى الأردن فرصة لتطوير دوره وفاعليته، بعيداً عن الاشتراطات الدولية للقبول الإسرائيلي. التصريحات الأخيرة تشير إلى تحول في الموقف الأمريكي.
تصريحات وزير الخارجية بومبيو بأن تنفيذ الضم “قرار يعود للحكومة الإسرائيلية”، ثم تصريحات الناطقة باسم الخراجية بضرورة التفاوض حولها مع الفلسطينيين. ومواقف الاتحاد الأوروبي، الرافضة للقبول بمبدأ ضم أراضي محتلة بالقوة (فهذه سابقة لا يمكن قبولها أوروبياً)، ثم العناية الخاصة لدعم الأردن لتجاوز محنة كورونا، كلها مؤشرات على دور جديد، يتجاوز آفاق مرحلة الحرب على الإرهاب. ويمكن القول بأن عنوان هذا الدور هو حاوية استراتيجية لإسرائيل.
وهناك سؤالين متكاملين: الاول متعلق بإمكانات ومزايا الأردن للقيام بالدور الجديد بنجاح، واستثمار الفرصة بشكل فعال. صحيح أن الإمكانات متغيرة (ويمكن بنائها عبر منظومة التحالفات)، لكن المزايا تتغير بسرعة أقل بكثير، يجب استثمارها بإجراءات وخطوات استباقية، لاستثمار ما هو متاح من فرص.
الثاني متعلق بردود فعل واستجابات إسرائيل لمثل هذا التحول. وخصوصاً أن المؤشرات تدل على استجابة فلسطينية إيجابية، تجاه تحول الدور الأردني، وتأخذ شكل الترحيب بالمواقف السياسية الأردنية. وربما يمكن القول بأن العامل الفلسطيني (الذي يرحب بهذا التحول ويدعمه)، سيكون دافعاً لاستجابات إسرائيلية سلبية وحادة. إذ أن التأييد الفلسطيني للتحول في الدور الأردني، بمقدار ما يساهم بتعظيم فاعلية الدور الأردني الجديد لاحتواء إسرائيل، إلا أنه -وبنفس الوقت- سوف يزيد من حدة وعمق ردود الفعل السلبية الإسرائيلية.
فرصة تحول الأردن إلى “إطار جيوسياسي” لاحتواء إسرائيل، بفاعلية التحول في الموقف العالمي من الصراع، (وليس نتيجة تحول موضوعي في موازين القوى)، وبغض النظر عن استجابة الأردن لهذه الفرصة، سوف تضع الأردن أمام ضغوط إسرائيلية غير مسبوقة (نوعياً وكمياً). فمن المنطقي الافتراض، بأن إسرائيل سوف تسعى لإضعاف إمكانات الأردن للقيام بهذا الدور، وقد تسعى أيضاً لتدمير المزايا الأردنية التي تمنحه فرصة القيام بهذا الدور. فالعقل الإسرائيلي، يدير الصراع، مستثمراً المزايا والتفوق الإسرائيلي، عبر تغيير السياقات –والبيئة الاستراتيجية نفسها إن أمكنها ذلك.
النقطة الأساسية الآن، ليس كيف يرى الأردن هذا التحول، على أهمية هذه الزاوية، إلا أنها ليست كافية. فالمهم كيف ستتعامل إسرائيل نتنياهو مع هذا التحول؟ وما هي قائمة الخيارات المتاحة أمامها لإعاقة هذا التحول، او تدمير سياقاته، وتغيير البيئة الاستراتيجية الحاملة له؟
هناك احتمال يبقى قائماً ولا يمكن تجاهله، وهو أن يكون هذا التحول، مجرد فخ استراتيجي، هدفه ضمان تحقق “تحول نوعي وحاسم في سلوك إسرائيل”. ولكن حتى لو كان هذا الاحتمال مرتفع، فهو يمنح الدور الإقليمي الأردني بعداً جديداً، وهو شراكة أردنية في مجهود عالمي لــ (ترويض إسرائيل). ومثل هذا الدور المحتمل، متعلق بالهواجس التي يتكرر الحديث عنها في الغرب مؤخراً، حول مستقبل إسرائيل. ولكنه دور يحدد طبيعة الخيارات الأردنية الممكنة لتنفيذ دوره الجديد كحاوية استراتيجية. فلا يمكن الترويض وتغيير السلوك، دون الاحتواء.
أياً كان طيف الخيارات المتاحة لقيام الأردن بدروه الجديد، (حاوية استراتيجية)، فإن الأردن لديه فرصة تاريخية استثنائية محفوفة بمخاطر من نوع جديد. وهي استحقاق قدري تاريخي تفرضه الجغرافيا التي لا يمكن الفكاك من إملاءاتها. أبرز ما يميزها أنه لا يمكن تقليلها أو السيطرة عليها وتحييدها، عبر مناورات واسعة، او عبر دبلوماسية التطمين والتهدئة. فهناك مسار جديد، بدأ بتلويح جلالة الملك عبد الله الثاني، بإمكانيات الصدام. وهذا يعني تغيرات في قواعد الاشتباك، لا يمكن تجاهل أثرها على العديد من المجالات.
الفرصة الأردنية في التحول الأمريكي / جـمـال الـطـاهـات
13
المقالة السابقة