عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
وأنت القائد المبشّر بالدولة والممسك بالأمل والرافض للمغامرة والمزايدة، تضع عينيك على شعبك الذي استهدفوه قتلاً وتشريداً اقتلاعاً، وما زالوا ليستولوا على ارضه.
كلمة الرئيس عباس في الذكرى (72) للنكبة هي من أكثر كلماته تعبيرا عن عمق القضية، وعن الامساك بجذورها وعن صفاء رأيه ورؤيته..
ورغم (72) سنة متصلة وما سبقها من أعمال سوداء ومحاولات من جانب الصهيونية للاستيلاء على الارض، وبناء المستوطنات التي بدأت نواتها في عام 1882، رغم كل ذلك مازال الرئيس ابو مازن يمسك الشعلة ويذود عنها متسلحا بإرادة شعبيه ودعم المجتمع الدولي للحق الكامن في هذه القضية بكل ابعادها وخاصة الانسانية، ولذا استذكر الرئيس الآية “يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ” ولكن نور الله باق في القدس العربية المسلمة وفي إرادة الشعب الفلسطيني الذي دافع ومازال يدافع عنها لتبقى أولى القبلتين وثالث الحرمين، تنادي على العرب والمسلمين ان حيّ على الصلاة فيها وحي على الفلاح لتحريرها واستعادتها..
ما زال صوت صلاح الدين الذي تلبس كلمات الرئيس وهو يتلو الآية، وما زالت قافلة الشهداء تصطف حوله من شهداء الثلاثاء الحمراء عام 1929 الى عبد القادر الحسيني في 9/4/ 1948، الى شهداء الثورة الفلسطينية المعاصرة المنطلقة عام 1965 .. ما زال الرئيس عباس يذكر بهم و يعود اليهم ويبني المسيرة من تراثهم، ومازال يذكر بحديث الرسول الصحيح في ان الطائفة التي تحدث عنها والتي ستبقى ترابط في بيت المقدس واكناف بيت المقدس وهي طائفة ما زالت موجودة انها الفلسطينيون وثورتهم ومسيرتهم وقيادتهم ، مازالت مرابطة حتى وان انفض البعيد والقريب وتنكر الكثيرون او طعنوه، فقد قال الرسول (ص) أن ذلك لن يضيرهم فهم يمسكون برسالتهم يخرجون لعدوهم بصمودهم وصبرهم وكفاحهم وبناء ذاتهم لا يلتفتون الى الوراء، ولا يتذرعون بخذلان القريب والصديق، فقد آلوا على انفسهم خدمة القدس والتضحية في سبيلها.
أخذ ابو مازن من تاريخ شعبه وتراثه ويستند اليه وهو يوجه كلمة عميقة الدلالة، تمسك بالثوابت الفلسطينية ولا تتجاوز عن أي معنى فيها.. فما زالت السبعون وزيادة محفورة في الوجدان، ماثلة في ملامح الفلسطيني المناضل والصابر في المخيم تحت الاحتلال وكذلك الذي في المنفى وفي القرى والارياف والبوادي والمدن والمنافي،كلها تحمل ملامح النكبة وآثارها، وهي آثار لم تفارق الفلسطيني الذي عقد العزم وجدده في كل يوم ان يعود الى وطنه..
من يستطيع ان يزايد على ابو مازن في كلمته التاريخية هذه التي يبدأ فيها الحكاية من السطر الاول، دون اجتزاء او شطب او تمويه او لبس، فما زال المخيم ماثلا وما زالت قضية اللاجئين وما زالت الارض محتلة وما زال الاسرى والمعتقلين الذين افتدوها في السجون، ومازال قرار الرئيس ابو مازن وقيادته ان يدفع لهم ولأبنائهم وزوجاتهم مخصصاتهم، رضي العدو ام لم يرضى، وليذهب اليمين الاسرائيلي ليشرب من البحر الميت .. فقد أصر الرئيس على ذلك من قبل وما زال حتى لو لم يبق الا قرش واحد في الجيب الفلسطيني فسيكون فيه نصيب للشهيد والأسير والجريح والمعتقل.. لأنهم هوية الشعب الفلسطيني المكافح ،الذي لم ولن يغير هويته حتى يتحرر وطنه، ويقيم دولته.
لقد صمد الرئيس أمام الموجة الجديدة من الضغوط وآخرها محاولة اسرائيل وقف مخصصات الشهداء والاسرى، وقد ابتزت بنوكا واستعملت وسائل ضغط امريكية وحتى عربية في هذا المجال حين انقطعت الكثير من المساعدات عن الشعب الفلسطيني، بما في ذلك امواله التي تجبيها اسرائيل وترهنها لتبتز القرار الفلسطيني..
سنين النكبة وظلها الطويل الثقيل ومحطاتها الموحشة القاتلة، سردها الرئيس وسرد وسائل الرد عليها والنضال الفلسطيني المستمر الذي يقوده في المحافل الدولية، ويضع اسرائيل في صورة قبيحة و مشوهة امام العالم في كل يوم.
لقد ردّ ابو مازن المثقف والكاتب والباحث والاكاديمي والمناضل والثوري والسياسي والقائد والممثل لشعبه على كل المقولات الصهيونية بعلمية ووعي وتفنيد، سمعناه منه اكثر من مرة، وفي اكثر من مناسبة وموقف وموقع ،وكان المنافح الحقيقي والمدافع الفذ الشجاع عن قضية شعبه التي اوصلها الى كل المحافل، حين انتصر لها بولادة دولة فلسطين وبتمثيل فلسطيني في كل المنظمات والهيئات الدولية في اكثر من (120) منظمة ومعاهدة وباعتراف من جانب (140) دولة ومعظم ذلك كان في عهد الرئيس عباس وفي جهده لتجسيد الدولة والعمل لإقامتها..
مازال الرئيس يقاتل من أجل سلام عادل يراه الفلسطينيون طريقهم لإقامة دولتهم بوسائل مشروعة و يوافق عليها المجتمع الدولي، ولا تراها اسرائيل التي تعمل ليل نهار على حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في وطنه و حقه في تقرير مصيره والكفاح من اجل بناء دولته..
نعم مد ابو مازن يده للسلام وما زال، لكن الايدي المجرمة التي تخاف السلام وتدمن القتل والتشريد وسرقة الاراضي وبناء المستوطنات ترتجف من السلام، لأنه يسقط عدوانها وتعمد الى السلاح لأنه وسيلتها التي تربت عليها في مدارس النازيين والفاشيين والمحتلين ..
نعم اسرائيل و الادارة الامريكية الحالية في خندق واحد، قالها ابو مازن دون تردد ودون مزايدة او مناقصة، لأنه رأى ذلك وخبر ذلك ولم يموه على شعبه، فقد كان بطلا حين قال للإدارة الامريكية (لا) أكثر من مرة، وحين أسقط بإرادة شعبه والتقافه حوله صفقة القرن ونجح رهانه ، وحين استطاع شعبه ان يوقف الخطط الاسرائيلية المتتالية في اقتحام الاقصى و وضع الكاميرات..
الادارة الامريكية التي كشف ابو مازن طبيعتها وتحالفاتها الصهيونية، ووضعها الامكانيات الامريكية في خدمه العدوانية الاسرائيلية، هذه الادارة حذر منها الرئيس عباس ومازال، ورآى في مواقفها خطورة لتصفية القضية الفلسطينية، داعيا دول العالم وشعوبه وشعوبنا العربية تحديدا الى الانتباه واليقظة مما يُدبر لقضيتها الاولى..
وعلى نهج الرئيس الراحل عرفات الذي لم يُفرط ولم يُساوم ، يسير بخطى واثقة الرئيس عباس دون ان يسمح للاحتلال ان يعكر المياه الفلسطينية او يصطاد فيها، رغم الانقسام المؤلم الذي توظفه اسرائيل لصالحها ويقتات عليه البعض في تسويق افكار ومواقف تجاه في مصالح الشعب الفلسطيني..
وما زال شعبنا صامدا وما زال يختزن اشكالا من المقاومة، ومازال يقبل التحدي، ويستطيع الرد على الاحتلال، وما زالت اسرائيل اليمينية الفاشية الواهمة تعتقد انها بجبروت الاحتلال تستطيع ان تهزم الشعب الفلسطيني..
وهنا يرد ابو مازن على ذلك، ويوجه انذاره الواضح في وجه الخطة الاسرائيلية المبيتة ، انه في حال انفاذها فسيكون للشعب الفلسطيني موقف آخر تماما، سيجعل اسرائيل تدرك انها وان احتلت ارض الشعب الفلسطيني فإنها لم ولن تحتل إرادة هذا الشعب الذي ما زال يفاخر بإرادته وحريته كل العالم، وما زال جاهزا للدفاع عن أمته من خلال الخندق المتقدم الذي يرابط فيه دون أن يضره أو يفت في عضد وخذلان هذا النظام أو ذاك..
لم تضعف الارادة الفلسطينية و لم يتخل الفلسطيني عن حضاريته واصراره على خدمة وطنه وشعبه وامته وشراكته مع العالم، ولعل النموذج الفلسطيني الذي لمسناه في مقاومته وباء الكورونا هو نموذج يبني عليه الفلسطينيون بإرادة مقاومة الاحتلال الذي سيجد نفسه غير قادر على ان يؤبد خططه و انه سيرحل مهزوما شأن كل احتلال بغيض..
شعبنا يحيّ قائده الممسك بحلمه واقعياً أمام العالم كله وان النصر آت مهما كان ظلام النكبة حالكا..
https://www.youtube.com/watch?v=Uqml0UyE4EI&feature=youtu.be