بالرغم من التوافق الائتلافي الذي تم بين الطرفين الرئيسيين في المعادلة “الإسرائيلية” الداخلية (حزب الليكود + بقايا قائمة كاحول ـ لافان)، بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، إلا المنغصات، أو بالأدق الاستعصاءات، ما زالت موجودة، وعلى رأسها ما أعلنت عنه “المحكمة العليا الإسرائيلية” يوم الخميس 23/4/2020 من أنها قررت النظر في التماسات، قُدمت إليها ضد الاتفاق الائتلافي بين حزبي الليكود وما تبقى من قائمة (كاحول ـ لافان) التي يقودها الجنرال بيني جانتس. وضد تكليف مُتهم بمخالفات جنائية، أي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بتشكيل حكومة. وقال عضو الكنيست حيلي تروبر، من قائمة (كاحول ـ لافان) قبل تفككها، إنه في حال قررت المحكمة منع نتنياهو من تشكيل الحكومة فإنه سيتم التوجه إلى انتخابات جديدة للكنيست. وقَدَّمَ الالتماسات كل من حزب “ييش عتيد” (يوجد مستقبل) برئاسة يائير لبيد، و”الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل”، و”الحركة من أجل نزاهة الحكم”، وجمعيتا “عقد جديد” و”حراس الديمقراطية”. كما أشارت صحيفة “هآرتس” عبر موقعها الإلكتروني إلى أن ثمانية باحثين في القانون الدستوري توجهوا إلى المستشار القضائي للحكومة افيحاي مندلبليت، وقالوا إننا “نعتقد أنه يوجد خلل دستوري خطير في الاتفاق الائتلافي بين حزب الليكود وبقايا قائمة (كاحول ـ لافان)”، معتبرين أن الاتهامات ضد رئيس الحكومة نتنياهو خطيرة للغاية.
وبالطبع، فإن النيابة العامة في “إسرائيل” مطالبة بالرد على الالتماسات المرفوعة إليها، وأن تُقرر، وأن تحسم، بسرعة بشأنها. وبالتالي فإن المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، سيجد نفسه مضطرا لتقديم موقفه القانوني حيال الاتفاق الائتلافي، وقد يدعي مندلبليت (كما تتوقع مصادر إسرائيلية) أنه ليس معنيا بالرد على موضوع تكليف مُتهم بمخالفات جنائية بتشكيل حكومة، وأن يتطرق إلى بنود الاتفاق الائتلافي. وكانت المحكمة قد رفضت سابقا النظر في ستة التماسات طالبت بمنع نتنياهو من تشكيل حكومة كونه مُتهما بمخالفات جنائية لها علاقة بالفساد وتلقي رشوات وتقديم عمولات.
ومن الواضح أن نتنياهو قلق جدا من كل التحركات التي تجري ضده من قبل بعض أعضاء الكنيست الذين خرجوا من قائمة (كاحول ـ لافان) وغيرهم من أعضاء المعارضة كالقائمة العربية المشتركة ومجموعة (ميرتس) اليسارية، منعا لتكليفه برئاسة الحكومة، ومناهضة الاتفاق الائتلافي بينه وبين الجنرال بيني جانتس. لذلك كان نتنياهو وفي خطوات استباقية مدروسة، وخلال المفاوضات الائتلافية مع الجنرال بيني جانتس، قد طالب بسن قانون يسمح للكنيست بإلغاء قرارات تصدرها المحكمة العليا.
في هذا السياق، إن المُقلق أكثر لنتنياهو هو الموقف الذي يتصدره نائب رئيسة المحكمة العليا “الإسرائيلية” السابق، القاضي إلياكيم روبنشتاين، الذي قال بأن الاتفاق الائتلافي بين حزب الليكود و(كاحول ـ لافان) “مُرعب تم الدوس فيه على قوانين أساس كأنه قوانين تسنها البلديات بخصوص مياه الصرف الصحي. ولا يمكنني استبعاد تدخل المحكمة”. صحيح أن القاضي الياكيم روبنشتاين خارج موقع القرار حاليا، لكن تأثيره المعنوي والسياسي ما زال موجودا وفاعلا في الوسط القانوني “الإسرائيلي” المتعلق بالكنيست والحكومة.
وبالفعل، إن نظرة قانونية، مُحايدة، تدل أن “الاتفاق الائتلافي” بين القوتين الرئيستين في “إسرائيل” فيه الكثير من التغوّل القانوني والقفز فوق كل التهم المنسوبة لنتنياهو، وترحيلها للمجهول، وبالتالي هروب نتنياهو من استحقاق العملية القضائية، ويكاد أن يكون هذا الإنجاز هو الأكثر أهمية بالنسبة لنتنياهو خلال الدورة الانتخابية المُعادة للمرة الثالثة، وهو الإنجاز الذي أفشل فيه خطط خصومه لإنهاء حياته السياسية.
على كل حال، إذا استطاعت الحكومة الائتلافية بين (نتنياهو ـــ جانتس)، العبور من المأزق القانوني المتعلق بنتنياهو، في وجه الالتماسات التي تم تقديمها، فإن مجموعة من الإجراءات يجب حسمها في الكنيست قبل نيل الحكومة للثقة، وأهمها تأكيد تطبيق ما يعرف بــ”إسرائيل” بــ”القانون النرويجي”، وهو القانون الذي يسمح لأعضاء كنيست من قائمة (كاحول ـ لافان) بالاستقالة بعد تعيينهم وزراء. ويأتي تأجيل تعديل هذا القانون لأن أعضاء الكنيست هؤلاء انتخبوا كمرشحين عن قائمة (كاحول ـ لافان) قبل تفككها، والتي تضم مرشحين عن حزب “ييش عتيد”، برئاسة يائير لبيد، وحزب “تيلم” برئاسة موشيه يعالون. ويسعى حزب جانتس “مناعة إسرائيل” لتعديل “القانون النرويجي” بحيث يسمح بدخول أعضاء حزبه فقط في قائمة مرشحين الكتلة السابقة، ما يعني تجاوز مرشحين من الحزبين الآخرين. وهو ما اعتبره البعض بأنه غير ديمقراطي، وهو كذلك بالفعل.
إن مصاعب عديدة يواجهها نتنياهو، إضافة للمأزق القانوني، ومنها مأزق داخلي في حزبه، حزب الليكود، مع استياء أعضاء كنيست قياديين من حزبه، الذين لن يحصلوا على مناصب وزارية، إذ ينص الاتفاق الائتلافي على أن يكون عدد وزراء ما تبقى من قائمة (كاحول ـ لافان) نصف عدد وزراء الحكومة، بينما النصف الآخر سيتولاها أعضاء كنيست من كتلة اليمين مجتمعة، التي تضم حزب الليكود وتحالف أحزاب اليمين المتطرف: حزب “يمينا”، وحزب “شاس”، وحزب “يهدوت هتوراة”. وبالتالي فإن نصيب كل أعضاء الكنيست من حزب بيني جانتس حزب “مناعة إسرائيل” المتبقي من قائمة (كاحول ـ لافان) هو التوزير، بينما سيكون أعضاء الكنيست الوزراء من الليكود أقل من عدد وزراء جانتس بنسبة النصف في أحسن الأحوال. هذا دون التطرق للوزارات ومسمياتها وأهمية وزارة عن غيرها.
وخلاصة القول، حتى لو نجحت حكومة (نتنياهو ـــ جانتس)، حكومة ائتلاف الليكود مع بقايا مجموعة (كاحول ـ لافان) أو (أزرق ـ أبيض) في نيل ثقة الكنيست، ستبقى حكومة تسيير أعمال، وليس حكومة قرار، بالنسبة للمواضيع الساخنة، اللهم سوى الموضوع المتعلق بضم الأغوار, وأجزاء من الضفة الغربية. أما القضايا الداخلية “الإسرائيلية” فستبقى شبه معلقة عند حكومة مشلولة.
حكومة نتنياهو ـ جانتس والقانون النرويجي /علي بدوان
9
المقالة السابقة