كلما حل موعد الانتخابات الأمريكية تساءل سبعة المليارات من البشر عن مواقف الرئيس الأمريكي الجديد أو الجديد القديم من هذه القضية العربية والعالمية أو تلك، لأن ما يمس أمريكا يمس العالم بأسره إلى درجة أن المفكر السياسي الفرنسي (ألن مينك في كتابه: روح الأمم) طالب بأن يقع انتخاب الرئيس الأمريكي من قبل كل سكان الدنيا لا من قبل الأمريكان فقط.
وفي الحقيقة رغم المبالغة فإن التأثير الأمريكي على مسيرة العلاقات الدولية تأثير عميق وحاسم لأسباب قد ترفضها الأيديولوجيات ولكن يقر بها الواقع والواقعيون، لا للرضوخ الآلي لخيارات وضغوط واشنطن ولكن للتعامل مع السياسات الأمريكية بحذر وذكاء وإرادة. ولدينا في التاريخ العربي السياسي الحديث أنموذجان عربيان من هذا التعامل العقلاني مع العملاق الأمريكي: الأول هو توظيف الزعيم بورقيبة لبعض اللقاءات مع كاتب الدولة الأمريكي (دين أتشيسن) في الأربعينات ليحرج القوة الاستعمارية الفرنسية أمام حليفها وولي نعمة تحريرها فيكسب لحركة التحرير التونسية صديقا مؤثرا وفاعلا، أما الثاني فهو الزعيم عبد الناصر أثناء العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956 حين أقنع الرئيس الأمريكي (دوايت إيزنهاور) بأن فرنسا وبريطانيا وإسرائيل تتحدى واشنطن وتريد زعزعة مصالح أمريكا في الشرق الأوسط فهدد (إيزنهاور) الحلفاء الثلاثة المشاركين في العدوان الثلاثي على مصر وأمرهم أن يغادروا أرض مصر.
أما النماذج الفاشلة والمدمرة فكثيرة، أبرزها (الطز في أمريكا) التي رفعها القذافي شعارا أجوف انتهى به منذ حادثة (لوكربي) إلى التفريط في كل ثروات ليبيا للغرب، ثم تبني شعار (طز في العرب) إلى آخر المسرحيات الهزلية المأساوية المعروفة في تاريخنا العربي الحديث، واليوم نقف أمام حدثين لا بد أن نربط بينهما، وهما: تداعيات الربيع العربي واستخلاص العبر التاريخية من إجهاضه في كل البلاد التي أزهرت حدائقها بأزهار الحرية فكان البديل عن الربيع خريف عاصف وأنواء مزلزلة أرادتها قوى الردة نكوصا عن وعود الربيع واستعادة أعتى للاستبداد، وها نحن نعيش آخر إرهاصات ليبيا بعودة العسكر تحت نفس الشعار وهو مقاومة الإرهاب باحتلال طرابلس والقضاء على حكومة شرعية.
واقعنا العربي اليوم رغم مصيبة كورونا العالمية ينتظر تأثير الانتخابات الرئاسية القادمة على طبيعة العلاقات الدولية واقتراب موعد 18 نوفمبر 2020 الذي سيحدد فيه الناخب الأمريكي مصير البيت الأبيض. وحتى أدرك خفايا تحول متوقع في الاستراتيجيات الأمريكية تجاه العرب وربيعهم المهدد بل ومصيرهم المجهول استطلعت آراء صديقي القديم (جاك شوميناد) المرشح للرئاسيات الفرنسية 2012 والمحلل الاستراتيجي القيم، وكذلك الصديق باسكال بونيفاس رئيس المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية لا بالاتصال بهما ولكن من خلال بحوثهما الجديدة ومواقفهما المدونة في التغريدات فوجدت هذين الرجلين متفقين أنه في حال فوز (جو بايدن) نائب الرئيس أوباما أو (بيرني ساندرس) المرشح هو أيضا عن الحزب الديمقراطي ضد ترامب الجمهوري بالرئاسة بعد أشهر قليلة فإن موقف واشنطن من العالم العربي سوف تعاد صياغته على أسس مختلفة تفرضها فلسفة الحزب الديمقراطي الجديدة إزاء الحفاظ على المصالح العليا للشعب الأمريكي، وهي سياسة عبرت عنها المرأة الحديدية رئيسة الكونغرس (نانسي بيلوسي) وهي فلسفة مناقضة تماما للرؤية (الترامبية) للعالم العربي والإسلامي عموما، والتي عبر عنها في خطاب المؤتمر الأمريكي العربي بالرياض (22 مايو 2017) وهي رؤية بدأت بالسلام عليكم ورسم خطة أمريكية عربية لمقاومة الإرهاب (بالمعنى الأمريكي والإسرائيلي لا بالمعنى العالمي المتفق عليه) لا حتى بالمعنى اللغوي للكلمة وخطة للتعاون الاقتصادي واعتراف بأن لا دولة يمكن أن تفرض الديمقراطية على دولة أخرى، (هنا كان ترامب يريد طمس معالم المقاربة الأوبامية للعلاقات الأمريكية مع العالم العربي والتي رسمها أوباما في خطابه أمام جامعة القاهرة، وخطة الرئيس ترامب هذه المرة تعتمد إعلان حرب باردة ضد إيران ومراجعة المعاهدة التي وقعها أوباما مع القوى العالمية وإيران في الملف النووي بجعل العرب يعوضون العداء لإسرائيل بالعداء لإيران ثم بفرض ما سمي بصفقة القرن الرامية الى تصفية القضية الفلسطينية تماما ومعاقبة الأطراف العربية التي ترفضها! نحن في انتظار المجهول القادم من أمريكا في شهر نوفمبر 2020 لنفهم ما تخبئه لنا الأيام، لأن مصيرنا خرج من أيدينا أحببنا أم أبينا ولا ننسى أن العلاقات الدولية بعد كورونا ستصاب بانقلابات عميقة ستغير وجه أمريكا والعالم!.
كاتب تونسي