عروبة الإخباري – فقد الوسط الثقافي أمس الأديب والإعلامي والشاعر مبارك العامري بعد تجربة أدبية وإعلامية ثرية وحافلة في مسيرة الأدب العماني المعاصر، حيث تعد تجربة الشاعر الراحل محطة مهمة لدارسي الأدب ومنهم باحثون تعمقوا فيما كتبه العامري من شعر وسرد.
يعد الراحل مبارك العامري أحد أكبر رواد الصحافة الثقافية في السلطنة، حيث أشرف على الملحق الثقافي بمجلة العقيدة التي التحق بالعمل فيها في سن مبكرة، وقد عمل بوظيفة المحرر المسؤول لمجلة شرطة عمان السلطانية ثم العين الساهرة، وقد أثرى الكاتب والشاعر والإعلامي الأديب مبارك العامري المكتبة بالعديد من الإصدارات الأدبية، فله سرديا رواية “مدارات العزلة 1994″ و “شارع الفراهيدي 1997″ وفي الشعر ديوان “بسالة الغرقى 2010″. وقد نعت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء الراحل في بيان لها سائلة المولى القدير أن يتقبل الفقيد بواسع رحمته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، كما نعاه النادي الثقافي و الشعراء والكتاب في مختلف وسائل النشر بأعمق العبارات وأصدقها، داعين الله أن يغفر للفقيد ويسكنه فسيح جناته.
وكان النادي الثقافي بالتعاون مع قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة السلطان قابوس قد أصدر كتابا حول تجربة مبارك العامري الأدبية وهو نتاج أعمال ندوة علمية محكمة ويقع في 182 صفحة، وقد تناول الكتاب جوانب مختلفة من تجربته الشعرية والسردية .. وحمل موضوعات في سيميائيات العالم الطبيعي في بسالة الغرقى لمبارك العامري: من محمول الوجود إلى محمول التجربة، وملامح النص الشعري عند مبارك العامري، والشخصيّات الكُتبِيَّة في أعمال مبارك العامري السرديّة، والأفعال ووظائفها الأسلوبية في ديوان بسالة الغرقى (دراسة أسلوبية إحصائية) وفي البنية السَرْدِيَّـة فـي مدارات العزلة.
يقول الشاعر سماء عيسى عن الراحل في كتاب “تجربة مبارك العامري الأدبية”: ذات يوم وقبل 30 عاما شكل مبارك العامري تجربة حميمة لعدد من الكتاب الذين كانوا في بداية بحثهم عن كتابة جديدة، شكل هذا الشاعر الجميل والصحفي القديم القدير مركز استقطاب لهم وذلك اثناء عمله كمسؤول عن الملف الثقافي بمجلة العقيدة آنذاك في وقت لم يكن ثمة من يفتح بابا لكتابة بعد ما زالت مجهولة وجديدة على أرض واقع لم يعتد على تقبل الجديد والمجهول بل ينظر إليه بعين الريبة والحذر”.
ويقول الشاعر طالب المعمري “أرض مبارك العامري فضاء مفتوح، الكتابة أولا ثم الصداقة، فهو بهذا من الأوائل الذين اشتغلوا في هذا الحقل المعرفي حيث السكة غير سالكة حينها فالمغامرة ومحاولة التجريب هي من تقود إلى فوضى الأشياء وإلى نظامها أيضا”.
وقد كتب الشاعر يونس البوسعيدي في منشور له: مبارك العامري، الاسم الشاعر في سلطنة عمان والخليج بدءا، من أوائل الشعراء العمانيين الذين ربطوا اسمهم بتجارب الشعر والصحافة الثقافية، كما أنه من أوائل الشعراء العمانيين الذين جربوا التوازي البارع بين الشعر والسرد.. تملص سريعا من المفهوم العميق للحداثة الشعرية، فبعد الهيكل الخليلي والتفعيلة ذهب للنص الحر، كما تحب روحه الحرة، ودفق بها بأجنحة البرق الصعبة الإمساك..كان في كل خلية به إنسانا طيبًا، فمد نقاءه لكل من يلتقيه، حتى لو كان غريبا في مقهى، نجمًا يؤانسُ صفحة ما، ورقة بلا حفيف، كأنه كان شاعرا يمد ألوهيةً فيما حوله، ولهذا شريحة من الشعراء العمانيين الشباب الذين ألقوا ببيانهم في النص الحديث وجدوا مبارك العامري يرفعهم بأجنحته. المشاوير والذكريات مع مبارك العامري كثيرة، وتكاد أن تجدها مع كل مُقلّب صفحة كتاب في عمان، وكأنه سماء يعرفها الجميع.
واختتم “البوسعيدي” : ارتفع مبارك العامري وكان باسلا في مرضه، نقيًا حتى في آخر أيامه، متكئا على الحب والشعر والإرث الثقافي الذي تركه، وظل يراه بعين العمانيّ مرددًا (شي بسيط) إنه تواضع الغيمة التي تعلم أن العشب كان من دموعها، ولكن ضحكها يملك الكثير، فيتوارى راضيًا بقوله (شي بسيط) في أيام لا تستطيع أيادي أعشابه أن ترفعه، لتنزل عليه غيوم السماء وتنبت على جسده أعشاب الله، مرتحلا في (زمن كورونا) في أيامٍ يصكّ أذني فيها سماع الجنائز المفجعة الموجعة، فتكون وفاة مبارك العامري تمرينا آخرا للصبر والرضا والتسليم لما قدّر الله، فلله ما أعطى ولله ما أخذ ورحم الله مبارك العامري.