عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
داهمتنا جائحة الكورونا، فكشفت كثيراً من المستور، نهض قوم وتراجع قوم، وبدأت تظهر الأمور على حقائقها وما زلنا في مرحلة من هذه.. فالكورونا أخذت كثيراً وأعطت أيضا، وكانت قد عجمت أعواد الكثيرين من الميسورين الذي ينظر إليهم وطنهم لإعادة تصنيفهم، منهم من نجح نجاح بامتياز، ومنهم من لم يتقدم للامتحان أو تقدم ورسب..
ما نعيشه هو أيضا فرصة ففي الابتلاء دروس لا يدركها إلاّ الراسخون أو من أوتي الحكمة..
ومع تشكيل لجنة للمتبرعين الكبار.. كان هناك من صغر كتفه ومن قصرت خطواته و”كش”، وبحث عن ذرائع او غطى نفسه بالتنظير والتبرير، ومنهم من سبقت ارادته خطواته واستمر في سمعته ومسيرته فتقدم..
أخونا “صبيح المصري” من الذين ظهروا يسألون و يتجاوبون منذ اللحظة الأولى وحتى قبل أن تعلن حالة الطوارئ، فقد كنت في اتصال بالصدفة معه وقال كلام راقني، لم استأذنه لنشره لكن الرجل صاحب الأريحية دعا الله ان يحمي البلد وضرب مثالاً على قائده، وكيف أنه في الميدان يهمه شعبه، وهذه نعمة لا بد أن ندركها، وقال :”أننا جاهزون فهذا وقت الانتصار للوطن والوقوف الى جانبه”، حين قال “ابو خالد” ذلك تذكرت قول الشاعر القديم:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا
وتفسير ذلك ان عالي الهمة لا ينتظر ان يسألوا عونه وإغاثته وفزعته، بل انه يسارع دون ان يطلب تبريرات وبراهين على صدق من دعوه، كان “صبيح المصري” حين بادر للتبرع باسم البنك العربي بثلاثة ملايين دينار أردني هو من هذه الفئة التي تبادر، وما أن رأى الحاجة الى ذلك تزداد كان في المقدمة حين جعل التبرع لأكثر من (15) مليونا ضاربا المثل الأعلى..
هذه ليست نخوة “صبيح المصري” الأولى، فقد كنا نراه في المحن والشدائد وحين البأس، وكثيرون لا يرونه حين تعطي يده اليمينى بما لا تعلم به اليسرى للعائلات المعوزة والفقيرة والاف الطلاب الدارسين بمساعدات ومنح منه..
نعم لقد تشكلت اللجنة وترأسها شخصية ظلت دائما ترجح كفة الوطن وتنحاز للناس، رغم انه خبر الحكومات وترأسها وعرف الضرورات الوطنية وأبدع في التخطيط الاقتصادي، انه “عبد الكريم الكباريتي” الذي استعمل اسلوبه الساحر بين الحامي والبارد، فقد كان لا يعوزه مخاطبة البعض من الميسورين ليفعلوا، في حين كان يعوزه ان يكرر العبارة مرة ومرتين وثلاثة للبعض مما بلغت اموالهم طولاً اطول بكثير من قاماتهم، وجاءت الكورونا لتكشف حسبهم وتلعثم لغتهم.
أعود الى صبيح ومثله لدينا اخرون في المبادرة والشهامة وطيب النفس والعطاء، وأعود الى تمثل قول نفس الشاعر حين قال: ان فئة من الناس اذا ما داهمهم الشر طاروا في رده والدفاع عن قومهم في وجهه حتى يبعدوه، فقد قال في ذلك:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم قاموا إليه زرافات ووحدانا
وهل أكثر من شر الكورونا لنطير في مواجهته والرد على تحدياته.
ولأنني أعرفه فقد توقعت رده.. كان مبتسما هادئ البال مستبشرا غير متأفف، امتدح الحال التي نرد بها على تحدي الوباء، واثنى على الجنود الذين هم في الميدان، وقال هؤلاء أهم منا كلنا، ومهما قدمنا لا نرتقي الى تضحياتهم.
ما كنت أكتب ذلك عنك يا “أبا خالد” لولا أنني رأيت نفسي في حال الذي:
لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ
ولعل النطق الأسعد عندي اليوم هو أن أكتب عنك ثناء لا تحتاجه، ولم تسع إليه، ولكنه يريح نفسي في أنني ألهج بالثناء على ما قدمت.. و هذا واجبي كمواطن يقتضي عمله ان نقول للمحسن أحسنت، ربما يقول للمسيئ أسأت.
هذا وقت الامتحان الوطني الذي نلت فيه يا “صبيح” الامتياز، وما زال الشوط مشرعا لمن يريد المسابقة وفي هذا فليتنافس المتنافسون..