يرتفع منسوب الاعجاب الشعبي بـ «النموذج» الصيني، كلما ازداد وباء كورونا تفشياً في دول «الديمقراطية الليبرالية» …قبل الجائحة، اجتذب «النموذج» الصيني اهتمام أنظمة وحكومات عربية، جادلت في إمكانية تحقيق الإعجاز الاقتصادي، كما الصين، من دون حاجة للإصلاح السياسي او «استعارة» أي نماذج للديمقراطية، ليبرالية كانت أم اجتماعية.
أخطر ما في ضائقة كورونا، أنها وفرت لهذا «النموذج» قاعدة شعبية، تتعاظم باستمرار … «الدولة المركزية» قادرة على محاربة الوباء ومنع تفشيه، أكثر من النظم الديمقراطية … نظرية «المستبد العادل»، ستجد رواجاً في مرحلة «ما بعد كورونا»، مع أن كثيرٍ من القائلين بها والمتواطئين معها، يدركون سلفاً، أنهم قد يتركون تحت رحمة «المستبد»، أما «العادل» فقد يواجه مصير «الإمام الغائب» أو «المهدي المنتظر».
جائحة كورونا، داهمت عالمنا العربي، وهو يعيش الموجة الثانية من ثورات «الربيع العربي» وانتفاضاته، والتي شملت الجزائر والسودان ولبنان والعراق … ثورات هذه البلدان، لم تستكمل أهدافها بعد، تماماً مثلما حصل مع بلدان الموجة الأولى من الثورات العربية، مع فارق واحد، أن الموجة الأولى، تكسرت على صخرة الثورات المضادة والدولة العميقة والجنرالات، أما الموجة الثانية، فيبدو أنها عرضة للتكسير والانكسار، على صخر الفيروس المايكروسكوبي الخبيث.
الضائقة الاقتصادية، التي كانت «المحرك الأول» لثورات الربيع العربي في موجتيها المتعاقبتين، من المرجح أن تتفاقم في مرحلة «ما بعد كورونا»، المكلفة للغاية على الاقتصاد والاجتماع، وقد تفضي إلى تجفيف أو تخفيف موارد كثير من الأنظمة والحكومات … «نظرياً»، قد يعد ذلك سبباً كافياً للقول، أن قطار «الربيع العربي» سيستأنف تنقله بين المحطات والعواصم، ما أن تضع الحرب على الوباء أوزارها … لكن هذا ليس سوى واحدٍ من سيناريوهات عدة، تنتظر المنطقة في المستقبل القريب … فقد نشهد انهيار أنظمة صحية وسياسية عربية، وقد تتفكك دولٌ تقف على حافة التحول إلى «دول فاشلة»، وقد يتعاظم ميل شعوبها للانضباط تحت قوانين الطوارئ وأحكام الدفاع، فالفقر، وحتى الجوع، لا يأتي بالثورات الاجتماعية دائماً وبالضرورة، بل قد يأتي بالفوضى والانهيار والميل للخضوع لأنظمة تعسفية كذلك، وهذا فصل معرف في تاريخ البشرية.
وسوف تُكافئ حكومات دول، أدارت بكل شفافية واقتدار، جائحة كورونا من قبل شعوبها(الأردن نموذجاً)، على أن أداء هذه الحكومات في مرحلة «ما بعد كورونا»، سيكون الحكم والفيصل عند تقرير وجهة تطور الأحداث في هذا البلد أو ذاك، والأرجح أن حكومات أخرى، فشلت في إدارة الأزمة، ستجد عنتاً في ضبط إيقاع شوارعها وردود أفعال مواطنيها من دون اللجوء للقوة المفرطة…عند الامتحان، تُكرم الحكومات أو تُهان.
وثمة حاجة لضبط إيقاع خطاب الكراهية والتمييز، ولقد رأينا وسمعنا أصواتاً عربية ناشزة، تتحدث بالسوء عن الوافدين والعمال الأجانب، وقد يمتد هذا الخطاب ليطاول شرائح من مواطني تلك البلدان، وقد يميل بعض الناس، لنظرية «الاختيار الطبيعي» الدارونية … هذه النظريات الشاذة، ليست حكراً على أوروبا أو المجتمعات الغربية، فلدينا ما يماثلها في العالم العربي، وربما بأشكال أكثر فجاجة.
وقد يُنمي «التباعد الاجتماعي» الأنانية وحس «الخلاص الفردي» عند شريحة من السكان والمواطنين، ولقد قرأنا تقارير إخبارية عمّا يدور في بعض دول العالم في هذا المجال … الإجراء المؤقت، يتعين أن يظل «مؤقتاً»، والتدابير الاحترازية، ومن بينها «التباعد الاجتماعي» لا يجب أن تقتل روح المواطنة و»التضامن» عند المواطنين، وإلا كانت النتيجة كارثية بامتياز، سيما وأننا نتحدث عن مواجهة ربما تكون طويلة الأمد مع الفيروس الخبيء والخبيث.