يجتاح فايروس كورونا العالم وينتشر انتشار النار بالهشيم ،حالة ارتباك عالمية، وتراجع معظم الأنظمة المالية والاقتصادية ، شبه شلل في الحياة العامة ،وغير ذلك من المظاهر التي ألقت بظلالها على دول العالم إثر هذا الفايروس الذي يخاطب كل القوى العالمية بضرورة إعادة النظر بسلوكها اتجاه البشرية والإنسانية ، كأنه يخاطب العالم أجمع بأن العالم حقا أصبح دولة صغيرة وما عاد مجال لسياسة المؤامرة والتدمير باختلاف أشكاله .
انتشر فايروس كورونا وأصبح واقعا لا مفر منه واجب مواجهته والتعامل معه ، وشكل ذلك اختبارا صعبا للشعوب والدول وبدأ يبرز بشكل واضح أثر الثقافات في مواجهة الأزمات ، فشكلت الصين نموذجا مشرفا على كافة المستويات الرسمية والشعبية من خلال حالة الانسجام الكامل والانضباط المتقن رغم الكثافة السكانية العالية لهذا البلد الذي اعتبر أن صحة مواطنيه أهم بكثير من استمرار العجلة الاقتصادية فلم يتردد باتخاذ كل التدابير اللازمة لمواجهة الأزمة. مما شكل درسا على العالم اجمع أن يتعلم منه ويقتدي به .
مواجهة الصين لفايروس كورونا يضع خارطة الطريق لمواجهة هذا الفايروس ، هذه الخارطة التي تبدأ بالوقاية بل تعتبر ارتكازه الأساسي للحد من الانتشار وانحساره، في الوقت الذي تشكل به الفوضى والاستهتار والإشاعات أساسا لتسريع الانتشار وتفشي الفايروس وهذه رسالة بأهمية تحمل المسؤولية كل على مستواه الشخصي ومستوى أسرته ومجتمعه واعتبار أي تهاون في ذلك مسؤولية تقصيرية مرفوضة دينيا ووطنيا استنادا للقاعدة الشرعية في الدين الإسلامي “لا ضرر ولا ضرار ” دون أن يغفل على الجميع أهمية العمل بالنصيحة الصينية “تعامل مع كل شخص على أنه مصاب ، وعامل كل شخص على أنك مصاب ” .
على المستوى الوطني لا بد من الإشادة بالموقف الشجاع والجريء للرئيس أبو مازن ولجهود الحكومة برئاسة الدكتور محمد اشتية والتي تدير الأزمة بإبداع واتقان رغم صعوبة الظروف التي تمر بها الحكومة والوضع الصعب الذي يعاني منه الاقتصاد الفلسطيني إلا أن ذلك لم يمنع اتخاذ قرارات مشددة لحماية أبناء شعبنا وحماية الصحة والسلامة العامة . لتتكامل هذه الجهود والقرارات الجريئة مع مواقف شعبية تعبر عن أصالة وصلابة الشعب الفلسطيني المعتاد على مواجهة الأزمات وتجاوزها ، فسجل شعبنا أعلى صور التكافل والتراحم والتعاضد من خلال حملات الخير والمناصرة وكذلك الاحتكام للمثل القائل (الحاجة أم الاختراع ) فأبدع أهلنا في خليل الرحمن بسرعة التجاوب بتصنيع مستلزمات الوقاية بأشكالها كافة وتوفيرها للسوق الفلسطيني .وهنا لا بد أن نعزز هذه الجهود ونكون مستعدين كمجتمع واحد لما هو أسوء لا قدر الله ولأي تصور تطلبه المرحلة حتى لو كان فرض حظر التجول لمدة أسبوعين
نجحت الخليل رغم قلة إمكانياتها في تلبية النداء وفشلنا كعرب وللأسف الشديد بمحاولة مواكبة الأمم الأخرى بإجراء أبحاث ومحاولات للبحث عن لقاح لمواجهة هذا الفايروس مما يوضح ضعف البحث العلمي في العالم العربي وترهله. ولعل أبرز درس علينا تعلمه في هذه الأزمة بأن وجودنا وبقائنا سيكون مرتبطا بالبحث العلمي وليس فقط تقدمنا وازدهارنا .
وعلي صعيد آخر وفي الوقت الذي يفترض فيه ارتفاع مظاهر التعاون والمساعدة بين الدول على قاعدة الرحمة والإنسانية والمصلحة العالمية المشتركة تماما كما فعلت الصين اتجاه ايطاليا المنكوبة ما زلنا نشهد مظاهر الحصار والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على جمهورية إيران وما زلنا نشهد حصار قطاع غزة وقرصنة الأموال الفلسطينية ناهيكم عن الاعتداءات اليومية من قبل الاحتلال الاسرائيلي وكأنهم يعيشون بمعزل عن العالم وعن خطر محتم يهدد الصحة العالمية .
وفي الختام وحيث أنني لا أفضل الخوض في جدليات مصدر هذا الفايروس وأسبابه إلا أن العالم أجمع وخاصة العالم العربي يجب أن يقف وقف جدية لدراسة هذه الحالة واعتبارها محطة للتحول على مستوى رسم السياسات وتحديد الأولويات .