الصورة الذهنية للأردن انه بلد تعددي يحترم حق الاختلاف ويراعي حقوق الاقليات وينحاز للشرعية الدولية وينظر الى التنوع بكثير من الاحترام فلا يميز بين شخص وآخر على ارضية الايديولوجيا او المعتقد او الاجتهاد. ضمن هذا الفهم تجد في مجالسنا المشكلة والمنتخبة مسلمين ومسيحين متشددين وليبراليين يساريين ويمينين وناقدين ومبررين فلا شيء يمكن ان يهز الدولة التي تؤمن بنفسها وشرعيتها وصلاتها بالمواطن والعالم.
ضمن هذا الفهم فإن من حق كل شخص ان يحل في اي موقع ويدير موقعه حسب القوانين والبروتوكولات وبوضوح وشفافية فالعلاقات بين ادوار وليس بين اشخاص ومن غير المنطق ان يكون احد منا فوق القانون او ينصب من نفسه رقيبا على المصلحة العامة مستخدما احكامه الخاصة التي لا يدعمها القانون فالمصلحة العامة ان نبقى جميعا تحت مظلة القانون وان تجري المساءلة تبعا للاصول الاجرائية الواجب احترامها والالتزام بها بدقة.
مهما كانت مواقف الناس من الاصلاح والحريات فلا احد ينكر ان الناس يتمتعون بقدر كبير من حرية التعبير ومشروعية السؤال. الكثير من المراقبين والمتابعين يستغربون ويتساءلون عن الاسباب التي دفعت بمجلس امناء المركز الوطني لحقوق الانسان لإنهاء خدمات المفوض العام للمركز باعتبارها الجهة صاحبة الحق في ذلك. ولا يأتي السؤال من منطلق الدفاع عن المفوض بل من ما يعنيه هذا القرار من تأثير على صورة المركز ومكانته المعنوية وصورته لدى المواطن والعالم.
المدهش في القرار ليس انه جاء مفاجئا وقبل انتهاء المدة القانونية لولاية المفوض بل لأنه صادر عن مجلس وُجد لمجابهة التعسف وبث الطمأنينة وإحقاق الحقوق مستخدما كل وسائل التدقيق والتمحيص والروية فهو معني بإدارة وتسيير مؤسسة حقوقية ذات أبعاد وطنية ودولية وانسانية مهمة ينظر لها الجميع باعتبارها تجسيدا لاهتمام الدولة والمجتمع بالانسان والالتزام الوطني بمراعاة الحقوق والرصد لمستويات تنفيذها وتكتسب رمزية عالية وثقلا انسانيا واخلاقيا للدولة والمنظمات والمواطن. فهي اكبر من المجلس الذي يشرف على اعمالها والمفوض الذي يمثلها والكوادر التي تقوم على انجاز متابعاتها وتقاريرها. لذا فقد اعتاد الأردن والعالم ان يختار لهذه المراكز مجالس وازنة ومفوضين يتمتعون بالمعرفة والمصداقية والنزاهة لكي يبعث وجودهم الثقة والطمأنينة ويساعد الجميع على اللجوء للمركز في حال شعورهم بالظلم او احساسهم بالتجاوز على حقوقهم وكرامتهم.
الأردن الذي أسس المركز الوطني لحقوق الانسان في مطلع الالفية الثالثة تعبيرا عن اهتمام الدولة بالحقوق واحترامها للشرائع والرقابة الذاتية على التزام الدولة بتنفيذ التزاماتها المتعلقة بتطبيق الاتفاقيات التي وقعت وصادقت عليها يشهد جلجلة غير واضحة ولا مبررة وتتعارض مع الصورة الذهنية التي نحملها للمركز وأدواره.
الجلجلة لا ترتبط بمخالفة المؤسسات لمبادئ الكرامة والحرية والعدل والمساواة ولا تتعلق بتعدي احد على حق الافراد في الحياة او التعبير او التعليم والصحة ولا العبادة والتعبير الثقافي ولكنها تتعلق بإقدام مجلس الامناء المشكل حديثا على عقد جلسة مفاجئة وسريعة واتخاذ قرار بإنهاء خدمات المفوض العام لحقوق الانسان قبل انتهاء مدته القانونية دون إبداء الاسباب.
نعرف جميعا ان المفوض أنهى مدته الاولى والثانية واكثر من ثلثي الدورة الثالثة فما الذي جناه ليجري انهاء خدماته على هذا الوجه وبهذه السرعة التي لم نعتد عليها. اقالة المفوض بهذه الصورة تثير الكثير من الاسئلة والقلق وتلحق الكثير من الاذى بسمعته ومكانته ومسيرته فمن حق المفوض والناس والجمهور الذين يتابعون القرار ان يطلعوا على المسوغات والمبررات التي اعتمدها المجلس، ومن حق المفوض الدفاع عن نفسه وتفسير ما حدث حتى لا تدفن الحادثة بضباب الاشاعات ويُكتفى بوشوشات تسيء له وللمركز وتضر بسمعة الدولة.
لماذا أقيل المفوض؟ -د. صبري الربيحات
17
المقالة السابقة