حالة القطاع الخاص اليوم واضح أنها لا تسر صديقا ولا عدوا، بالقطاعين التجاري والصناعي على حد سواء دخلا في منحنيات سلبية للغاية ونفق اقتصادي مظلم نتيجة حالة الركود التي تسيطر على أجواء الاقتصاد الوطني من جهة، وحالة عدم اليقين لدى المستهلك والمستثمر معا من جهة أخرى، وذلك نتيجة التحديات التراكمية التي تحيط ببيئة الأعمال المحلية والعقبات التي تقف دون نمو الأنشطة الاقتصادية المختلفة، لا بل إنها تهدد حتى استمراريتها، ولا يوجد في الأفق القريب ما يبدو انها حالة انفراج تقترب من المشهد الاقتصادي.
على ضوء المعطيات السابقة مضافا عليها التحديات المالية التي تعانيها الموازنة العامة وتراجع بعض الإيرادات وتزايد الاعتماد على المساعدات الخارجية فإنه بات واضحا أن معدلات البطالة في اتجاه صعودي على المديين القريب والمتوسط، وهي بذلك مرشحة فوق العادة لتجاوز معدلات قد تكون غير مسبوقة منذ أزمة الدينار سنة 1989، فهل تمتلك الحكومة اليوم نظرية استراتيجية أو خطة طوارئ لمواجهة هذا الكابوس الذي يهدد أمن واستقرار المجتمع؟
بات واضحا أن معدلات البطالة منذ العام 2008 وهي في اتجاه صعودي مخيف ارتفعت من 14 بالمائة في ذلك الوقت إلى 19.1 بالمائة في الربع الثالث من العام 2019، والسؤال المطروح على الدوام: أين يسير اتجاه معدلات البطالة في المملكة خلال المرحلة المقبلة؟
للإجابة على هذا التساؤل المهم لا بد من تناول بعض المعطيات الاقتصادية خلال المرحلة الحالية والتوقعات المستقبلية، حتى نصل إلى تصور تقريبي يجيب عن هذا السؤال.
النمو الاقتصادي المتحقق خلال الربع الثالث من العام الماضي بلغ 1.9 بالمائة ، والتقديرات الأولية لعام 2020 تشير إلى أنها ستكون بحدود الـ2 بالمائة، مما يعني أن معدلات النمو ستبقى بحدودها الدنيا في المرحلة المقبلة، وهذا يعني ببساطة أن الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية في الاقتصاد الوطني ستبقى على حالتها دون توسع له أثر في استحداث وظائف جديدة في الاقتصاد.
ارتفاع الصادرات الوطنية حتى تشرين اول الماضي بنسبة 8.2 بالمائة مقارنة عما كان عليه خلال نفس الفترة من العام الماضي مؤشر من الناحية النظرية بالإيجابية، لكن بالتحليل نجد أن غالبية النمو بسبب زيادة صادرات الألبسة من المناطق الصناعية المؤهلة ذات القيمة المضافة المنخفضة والمصدرة للسوق الأميركية، إضافة إلى ارتفاع صادرات قطاع التعدين وعلى رأسها البوتاس، وهي أصلا صناعات مشبعة بالعمالة الفائضة، وبالتالي هي صناعات لا تمتلك اليوم فرصا للزيادة بالنمو في أنشطتها على المدى القريب.
أعداد الخريجين السنويين من الجامعات والكليات والمدارس المتجهين لسوق العمل يبلغ في المعدل السنوي 156 ألف خريج بمختلف المستويات، مقابل قدرة محدودة للاقتصاد الوطني في إيجاد فرص عمل لا تتجاوز في أفضل حالات النمو الاقتصادي المتحقق خلال السنوات الـ15 الماضية ما يقارب الـ56 ألف فرصة عمل يتقاسمها القطاعان العام والخاص، في حين تستحوذ العمالة الوافدة أيضا على نصف فرص العمل المتاحة في القطاع الخاص، فكيف الحال اليوم ومعدلات النمو الاقتصادي تراجعت من 6 بالمائة في العام 2007 إلى اقل من 2 بالمائة كمعدل في السنوات العشر الأخيرة؟.
حتى قرار الحكومة الأخير بإنهاء خدمات كل من بلغت خدمتهم 30 عاما فيها تحد كبير لأي جهود لمكافحة البطالة، لأننا في الأردن الدولة الوحيدة التي تكاد في العالم التي يستوي الخريج والمتقاعد معا في البحث عن عمل جديد، فالخريج في بحث مستمر بعد التخرج، والمتقاعد يزاحم الخريج على أي وظيفة تساهم في تحسين دخله المتواضع لمواجهة مستلزمات الحياة المعيشية اليومية، وبالتالي ستكون هناك مزاحمة كبيرة على الوظائف المحدودة بين شرائح المجتمع الأردنية بشكل كبير ومخيف.
لا يمكن لأي حكومة مواجهة البطالة دون النظر بفاعلية ومرونة عالية للقطاع الخاص، ومنحه استثناءات تمكنه أولا من المحافظة علي ديمومة نشاطه، وتقديم أشكال مختلفة من الدعم خاصة الإداري منه كخطوة ثانية في تعزيز قدرته على التوسع وخلق مزيد من فرص العمل.
أما القطاع العام فالبرامج له في المدى القصير والمتوسط، لأنه مشبع بالعمالة التي تزيد على حاجته بأكثر من 50 بالمائة، ولا توجد أي قدرة في الوقت الراهن للتوظيف، وبالتالي الكرة في ملعب الحكومة للتعاطي الإيجابي مع القطاع الخاص ودعمه.