بالرغم من المواقف الايرانية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني والرافضة لاحتلال الاراضي العربية ومساندة المقاومة العربية على الحدود الشمالية والغربية للكيان الصهيوني الا ان الكثير من الانظمة العربية يتخذ موقفا معاديا لإيران ويشكك في سلامة وصدق النوايا الايرانية. مواقف بعض الانظمة العربية حيال ايران لها ما يبررها لكن البعض يفتقر الى اي مبررات او مسوغات منطقية لحالة العداء المفتعلة.
الحقيقة المؤلمة ان العلاقات العربية الايرانية تتأثر برؤية وتقييم الولايات المتحدة وحلفائها الفعليين في المنطقة اكثر من ارتباطها بطبيعة الاخطار التي تمثلها ايران او التقييم الموضوعي لحجم التهديد الذي تمثله للمصالح العربية العليا.
في معادلة العلاقات العربية الايرانية يتعاون العديد من الاجهزة الاستخبارية والبحثية على رصد التحولات وتقييم التهديدات التي يشكلها النظام الايراني للمنطقة والعالم. وفي هذا الاتجاه تلعب الدوائر الامنية والاستخبارية الاسرائيلية الدور الاهم والاكثر ارتباطا بالسيناريوهات والمواقف المحتملة للأطراف والجهات المتحالفة.
داخل هذه المنظومة فإن التقييمات التي تعد تنطلق دائما من اعتبارات المصالح العليا لإسرائيل وبمراعاة واعية للاهداف التوسعية المستندة الى تصورات دولة اسرائيل الكبرى التي يجري العمل على تحقيقها ضمن مخططات واستراتيجيات مدروسة وموقوتة، فالحدود المستقبلية لدولة اسرائيل المتخيلة لا تنحصر بين البحر والنهر بل تمتد لتشمل جميع المناطق الواقعة بين الفرات والنيل.
في ضوء هذا التوجه فقد تبنت اسرائيل ومنذ الاعلان عن قيامها سياسة القضم والهضم للاراضي العربية تحت غطاء المماطلة والمفاوضات والتكتيكات التي تبدد التركيز وتغرق الاطراف العربية والعالم في ادبيات وتأويلات ومغالطات يصعب استيعابها. من هنا يمكن النظر الى اصرار اليمين الاسرائيلي على ضم غور الاردن إلى اراضي الكيان كخطوة مهمة لعزل ما تبقى من الضفة الغربية عن العالم العربي والانتقال ومن خلال حدود مباشرة نحو المرحلة القادمة من المخطط التوسعي.
الضعف وحالة التشظي وغياب اي مشروع عربي عوامل مهمة في تشجيع الاسرائيليين على اتخاذ هذه الخطوة بعدما تمكنوا من تفكيك الجبهة العربية وضمان استحالة بنائها. على الواجهة الشرقية لإسرائيل لا يخشى المشروع التوسعي أيا من القوى او الانظمة العربية فهي غير جاهزة او قادرة ولا مستعدة للوقوف في وجه هذا التمدد. من المنظور الاستراتيجي الاسرائيلي فإن القوة الوحيدة التي يمكن ان تعيق المشروع التوسعي للصهيونية هي ايران ولا ترتبط هذه المخاوف بالقوة الراهنة لإيران بمقدار ما تتعلق باعتقادهم ان ايران مشروع حضاري امبراطوري منافس ينبغي القضاء عليه لتهيئة البيئة للتمدد دون مخاوف اوتهديد.
الاصرار الاسرائيلي والاميركي على شيطنة النظام الايراني واثارة المخاوف من قوته وأطماعه وتدخلاته الاقليمية عوامل أساسية في تشكيل الجبهة العربية المعادية لإيران والحد من احتمال تبني المشرق العربي لخطاب تصالحي توافقي مع الجارة المسلمة.
التحريض الاسرائيلي والعداء الاميركي لإيران يتلاقيان مع مخاوف الانظمة العربية الخليحية وتحذيرها من النوايا والاطماع الايرانية في المنطقة والاقليم. مهما كانت صحة الادعاءات او موضوعيتها فقد اسهمت في ايجاد حالة من التحالف الضمني بين الاطراف التي تقودها الولايات المتحدة نيابة عن اسرائيل. التحالف الجديد المستند الى التقييمات الاسرائيلية المغلفة بالخطاب الاميركي ادى الى تغيير التركيبة السياسية للعالم العربي واضعف هويتها بصورة غير مسبوقة.
الاستراتيجية الجديدة التي ترى ان التهديد الامني من الشرق اضعفت اهتمام الأمة العربية بالقضية الفلسطينية وأزالت بعض الضغوط العربية التي طالما اشتكت منها اسرائيل كما حرفت البوصلة العربية عن اتجاهها التاريخي وأعطت لإسرائيل مساحة كافية مكنتها من قضم وهضم المزيد من الاراضي وأتاحت لها التسلل الى الفضاءات العربية كناصح وحليف بعدما كانت تخشى معارضتها وتعترض على مساندتها للفلسطينيين.
من ناحية اخرى أدت مخاوف الدول المجاورة لإيران الى شراء كميات كبيرة من الطائرات والاسلحة المتطورة عادت على الاقتصاد الاميركي بمليارات الدولارات وفتحت آفاقا جديدة للتعاون العسكري بينها وبين كل من اميركا واسرائيل .
خلاصة القول ان ما يجري في المنطقة لا يعدو صراعا بين مشروعين حضاريين احدهما صهيوني توسعي وثانيهما امبراطوري فارسي في غياب اي محاولات عربية لإعادة البناء بعدما كرست الموارد العربية لخدمة شهوات الحكم والمناكفة والانتقام تاركة الجيوش والموارد والشعوب العربية وقودا لهذا الصراع الذي ليس للأمة فيه ناقة ولا جمل .