عروبة الإخباري – في مقابلة حصرية مع صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، حذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أن الكتلة الأوروبية الموحدة مهددة بانهيار وحدتها، بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست”.
وقالت ميركل في المقابلة، إن على أوروبا أن تكون أكثر تنافسية، خاصة بعد ما تترك المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي. وذكرت الصحيفة أن الاتحاد الأوروبي يمر بهذه الأوضاع وهناك رئيس أمريكي متقلب يتجاهل الحلفاء ويذهب بمفرده إلى الشرق الأوسط، فيما يغير فلاديمير بوتين الدستور الروسي ويتدخل في ليبيا وأفريقيا. كما تستمر التوترات التجارية، مما يهدد الحدود المفتوحة والعولمة التي تشكل حجر الزاوية في ازدهار ألمانيا. وبحسب الصحيفة، فإن ميركل، عالمة فيزياء سابقة تشتهر بأسلوبها العقلاني الذي لا يزعزع، وهي سياسية تنتهج مبدأ التسوية، لكنها تواجه اليوم عالما لا هوادة فيه؛ حيث تخلى الكثيرون عن المبادئ الليبرالية واحتكموا لقانون الغاب، وفق وصف الصحيفة.
وتقول ميركل “أرى الاتحاد الأوروبي بمثابة تأمين على حياتنا”، وتضيف “ألمانيا أصغر من أن تمارس نفوذًا جيو سياسيًا من تلقاء نفسها، ولهذا السبب نحتاج إلى الاستفادة من جميع مزايا السوق الموحدة”.
وأكدت أن هذا هو “الاقتناع الراسخ” الذي يرشدها للسعي إلى “أفضل المواقف المربحة للجانبين”، فعندما يتم تطبيق شراكات “تعود بالنفع على كلا الجانبين في جميع أنحاء العالم”.
ومن وجهة نظرها، فإن الرئيس دونالد ترامب محق في أن هيئات مثل منظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة تحتاج إلى إصلاح. وتقول: “لا يوجد أي شك على الإطلاق في ذلك… لكنني لا أشك أن في هيكل العالم المتعدد الأطراف موضع تساؤل”.
كانت ألمانيا المستفيد الكبير من حلف شمال الأطلسي “لناتو”، إلى جانب الاتحاد الأوروبي الموسع والعولمة، حيث فتحت التجارة الحرة أسواقًا جديدة واسعة أمام السيارات والآلات والمواد الكيميائية ذات المستوى العالمي. ونجحت ألمانيا في حماية أمنها بدعم أمريكي، لكن صعود القومية تحت شعار “أنا أولاً” يهدد بتركها غير مستقرة سياسياً واقتصاديا. ومن هنا فإن أوروبا تمثل مسألة وجودية للمصالح الألمانية، وكذلك هويتها.
وتشعر برلين بالقلق من أن المملكة المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يخلق منافسًا اقتصاديًا جادًا على عتبة بابها.
لكن ميركل تظل متفائلة بحذر، إذ ترى أن بريكست “دعوة لإيقاظ” الاتحاد الأوروبي. وتقول إن أوروبا يجب أن تستجيب بتكثيف لعبتها، لتصبح “جذابة، مبتكرة، خلاقة، مكانًا جيدًا للبحث والتعليم. . . يمكن أن تكون المنافسة مثمرة للغاية. “
وهذا هو السبب في أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يواصل إصلاحه، واستكمال السوق الرقمية الموحدة، والتقدم مع الاتحاد المصرفي؛ وهي خطة لمركزية الإشراف وإدارة الأزمات في البنوك الأوروبية، إلى جانب دفع اتحاد أسواق رأس المال لدمج أسواق الأسهم والديون الأوروبية المجزأة.
ويمكن لأوروبا أن تقدم بديلاً عن النهج الأمريكي والصيني تجاه البيانات؛ حيث تقول ميركل: “أعتقد اعتقادا راسخا بأن البيانات الشخصية لا تخص الدولة أو الشركات”. وتضيف “يجب التأكد من أن الفرد يتمتع بالسيادة على بياناته الخاصة، ويمكنه أن يقرر مع من ولأي غرض يشاركونه فيها”.
وتعترف ميركل بأن المانيا لا تزال “مترددة قليلاً” في الوحدة المصرفية، معللة ذلك بالقول “إن مبدأنا هو أن الجميع بحاجة أولاً إلى الحد من المخاطر في بلدهم اليوم قبل أن نتمكن من تبادل المخاطر”. وقد يتطلب اتحاد أسواق رأس المال من الدول الأعضاء السعي لتحقيق توافق أوثق في أمور مثل قانون الإعسار.
وردا على سؤال: هل التوترات الأخيرة في العلاقات الألمانية الأمريكية شخصية فقط أم أن هناك المزيد منها؟ تقول ميركل: “أعتقد أنها تستند إلى أسباب هيكلية”.
ولسنوات حتى الآن، تخلت أوروبا وألمانيا عن قائمة أولويات الولايات المتحدة. “فقد حدث تحول”، هكذا تقول ميركل. وتضيف: “تركيز الولايات المتحدة على أوروبا آخذ في الانخفاض، وهذا سيكون هو الحال تحت حكم أي رئيس”.
ولا تنوي برلين محاكاة سياسة الولايات المتحدة المتمثلة في “الفصل”، من خلال قطع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية والمالية مع الصين. وبدلاً من ذلك، دافعت ميركل بقوة عن علاقة برلين الوثيقة ببكين. وتقول إنها “ستنصح بعدم اعتبار الصين تهديدًا لأنها ناجحة اقتصاديًا”، مضيفة: “كما كان الحال في ألمانيا، فإن نهوض الصين يعتمد إلى حد كبير على العمل الجاد والإبداع والمهارات التقنية”، وبالطبع هناك حاجة إلى “ضمان أن تكون العلاقات التجارية عادلة”.
وبما أن القوة الاقتصادية للصين والطموحات الجيوسياسية تعني أنها منافسة للولايات المتحدة وأوروبا، تتساءل ميركل: “هل نحن في ألمانيا وأوروبا نريد تفكيك جميع سلاسل التوريد العالمية المترابطة… في رأيي، لا يمكن أن تكون العزلة التامة عن الصين هي الحل”.
وذكرت ميركل الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، ودورها في الاتفاق النووي الإيراني، وافتراضها “مسؤولية دبلوماسية، وعسكرية متزايدة”، قائلة: “قد يصبح الأمر أكثر في المستقبل، لكننا بالتأكيد على الطريق الصحيح”.
وتم تعريف عصر ميركل بالأزمة لكن بفضل قيادتها، نادراً ما كان يتمتع معظم الألمان بهذا القدر من النجاح. والمشكلة هي أن العالم يتوقع المزيد من ألمانيا القوية المزدهرة، وكذلك من المستشارة التالية.