◄ لولا جهود السلطان قابوس لم تكن أمريكا وقَّعت الاتفاق النووي مع إيران
◄ السلطان قابوس نأى بـ عُمان بعيدا عن التجاذبات والصراعات الإقليمية
◄ السلطان الراحل قاد عُمان نحو الرقي ونجح في إنجاز “الاتفاق الإيراني””
عروبة الإخباري – نشرتْ مجلة “ذي أتلانتيك” الأمريكية مقالًا بقلم وليام ج. بيرنز رئيس مؤسسة كارينجي للسلام الدولية؛ ذكر فيه أنَّه بوفاة جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- تكون المنطقة والعالم فقدا زعيما معتدلا في منطقة تموج بالاضطرابات.
واستهلَّ بيرنز المقال بقوله: “نحن نقترب”.. كانت تلك آخر كلمات قلتها للسلطان قابوس في خريف 2013، خلال المرحلة الأخيرة من المحادثات السرية مع إيران. هذه المفاوضات -التي توسطت واستضافتها السلطنة- مثَّلت أول تفاعل دبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيران منذ 35 عامًا، وفتحت الباب أمام إبرام الاتفاق النووي الشامل مع طهران.
وفي الوقت الذي رحل فيه السلطان قابوس عن عالمنا، كان العالم يفكر في المصير المجهول الذي ينتظر الاتفاق النووي الإيراني، لكن المؤكد أنه منذ انسحاب الولايات المتحدة في العام 2018 من هذا الاتفاق، فقد باتت نهايته وشيكة.
وعلى مدار سنوات عديدة، وبحكم عملي كدبلوماسي أمريكي، وكُنت مسؤولا عن ملفات الشرق الأوسط، فقد التقيتُ السلطان قابوس بشخصيته المتواضعة في عدد من المناسبات، وكان السلطان قابوس يملك رؤية حكيمة ووقار مهيب، وكانت رؤيته السديدة ونصائحه تتسم دائمًا بالاستقلالية والبراجماتية.
وعندما تولى السلطان قابوس مقاليد الحكم في عمان، قبل نصف قرن، لم تكن البلاد تنعم بأي تنمية تذكر، فالطرق مقفرة، والكهرباء شحيحة، وبالكاد هناك مدرسة أو مدرستان، ولا تعليم متاحا للنساء أو الفتيات وقتذاك. وخلال جيل واحد، وظَّف السلطان قابوس احتياطيات البلاد النفطية المحدودة لإطلاق مسيرة التنمية فيها، وتطوير رأس المال البشري. وبذلك، نجح في إخراج عمان من تخلف القرون الوسطى إلى تقدم العصر الحديث.
وتحتلُّ عُمان اليوم المرتبة الأولى في معظم مؤشرات التنمية البشرية، ومن بين سكانها، نجح السلطان قابوس في غرس الهوية الوطنية في نفوس مواطنيه، ونمَّى لديهم مشاعر الانتماء والولاء للوطن.
وأيَّد السلطان قابوس دبلوماسية الرئيس المصري الراحل أنور السادات ومعاهدة السلام المصرية مع إسرائيل في العام 1979، في وقت عارضتها دول المنطقة. واستطاع السلطان قابوس النأي ببلاده عن أية نزاعات إقليمية، ولم ينخرط في النزاع الخليجي الأخير، بل وقف على الحياد، وسعت عمان خلال عهده للتوسط لإنهاء الحرب في اليمن.
وكان أكبر إسهام دبلوماسي من السلطان قابوس ما قدمته عُمان من تسهيلات لفتح قناة تواصل خلفية بين أمريكا وإيران، ولقد كان العمانيون مُضيفين غير مُزعِجِين، ودعاة سلام صامدين، وكانت دائما نصائح السلطان قابوس مفيدة، وساعدتنا في تجنب إساءة قراءة بعضنا البعض. وليس من قبيل المبالغة القول إنه بدون جهود السلطان قابوس لما كان هناك اتفاق نووي.
وفي بداية محادثات إيران، وجدتُ التفاؤل حلمًا صعبَ المنال، لكن كان السلطان قابوس يتحلى بالصبر والهدوء، وقال لي: “إنهم لا يثقون بك، وأنت لا تثق بهم، لكن يجب أن تستمر؛ فالبديل هو الصراع، الذي سيخسر فيه الجميع”.
وكان السلطان قابوس يؤمن بالتطور التدريجي الذي لا رَجْعَة فيه، وكان حسَّاسًا تجاه التحول الحماسي الذي أغرى الكثيرين في المنطقة والكثيرين خارجها. وفي الوقت الذي اندلعت فيه ثورات الربيع العربي، وانتشر العداء لها من جانب بعض دول الإقليم، كان السلطان قابوس هو الزعيم المعتدل الوحيد في الشرق الأوسط.
لقد أدركَ جلالة السلطان قابوس أن الدبلوماسية تستحق المتابعة لإدارة الخلافات التي لا يمكن حلها بين عشية وضحاها. كما أدرك أنَّ المجتمعات العربية التي لا تتحلى بالاعتدال والتسامح في داخلها ستصبح هشة وستنهار في نهاية المطاف.