هدية جديدة يعمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إعدادها لتقديمها لدولة الاحتلال “الإسرائيلي” في سياق الهدايا المتتابعة التي قدمها لنتنياهو منذ اعتراف الرئيس ترامب بمدينة القدس كعاصمة لدولة الاحتلال ونقل السفارة الأميركية إليها، وما استتبعها من هدايا لاحقة.
الهدية الجديدة، تحمل التزوير الفظ، من خلال نية الرئيس ترامب الاعتراف بالديانة اليهودية كــ”قومية”، وقد جاء حديث ترامب عن هذا الأمر بعد ساعات قليلة من توقيع مرسوم رئاسي مؤخرا، لمكافحة ما أسماه “معاداة السامية” في الجامعات الأميركية، بعد حفل عيد الحانوكا (الأنوار) العبري، في البيت الأبيض، حيث تعهد الرئيس ترامب بأن “الإدارة الأميركية تتضامن بشكل لا يتزعزع مع الشعب اليهودي”.
وفاخر الرئيس دونالد ترامب بالمرسوم الجديد المتعلق بـمكافحة “معاداة السامية” بالجامعات الأميركية، والذي وصفه بأنه “خطوة تاريخية أخرى لحماية الشعب اليهودي”. وقال: “لقد وقعت على هذا الأمر الرائد لمحاربة التمييز المعادي للسامية”. ويوضح الأمر أن الفصل 6 من قانون الحقوق المدنية، الذي يمنع التمويل الفيدرالي للجامعات والمؤسسات التي تتعامل بشكل عنصري، ينطبق أيضًا على مؤسسات الاتجار بالكراهية المعادية للسامية. وقال: “هذه هي رسالتنا إلى المؤسسات الجامعية: إذا كنتم ترغبون في الحصول على مبلغ الدولارات الضخم من الحكومة الفيدرالية كل عام، يجب أن ترفضوا معاداة السامية، هذا بسيط للغاية. أنا أعارض BDS (المقاطعة)” والمقصود بـ(BDS) حملة المقاطع الجارية في أوروبا للمنتجات “الإسرائيلية” في المستوطنات (المستعمرات).
إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومن جديد، يستكمل تصريحات وزير خارجيته مارك بومبيو الذي اعتبر أن “المستعمرات شرعية”، ويُعبّر بذلك عن انزياحه، وانزياح إدارته الأعمى لدولة الاحتلال، ويسعى لإعادة قولبة المفاهيم، وتزويرها، فـ”إسرائيل” تعتبر نفسها دولة يهودية وتمثل “الشعب اليهودي” في جميع أنحاء العالم، حيث أكذوبة الشعب اليهودي، فاليهودية دين وليست شعبا أو قومية، وقد بدأت دولة الاحتلال بطرح ما يسمى “يهودية الدولة” أثناء انعقاد مؤتمر (أنابوليس) في أواخر العام 2007، ومَرَدُّ ذلك يعود أولا لخشية مواقع القرار في “إسرائيل” من التحول السكاني على أرض فلسطين التاريخية لصالح غالبية عربية فلسطينية لأصحاب الوطن الأصليين. وثانيا في سياق الاشتراطات التي تعمل “إسرائيل” على وضعها على طاولة المفاوضات (المتوقفة أصلا منذ سنوات طويلة) من أجل كسب الوقت وتمرير مشاريع التهويد والتسويف، وإرهاق الفلسطينيين والعرب بعملية سياسية لا طائل منها نهاية المطاف.
ويُشار في هذا السياق إلى أن الرئيس الأميركي هاري ترومان وبُعيد إعلان ديفيد بن جوريون عن قيام الدولة العبرية الصهيونية علة أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني، قام بشطب عبارة “دولة يهودية” بخط يده واستبدلها بكلمة “إسرائيل”، ما يدل على أن مسألة الاعتراف بـ”إسرائيل” كـ”دولة يهودية” كانت مرفوضة حتى من أقرب حلفائها، على عكس ما يمارسه الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، وعموم إدارته، الذي يدعم المطلب “الإسرائيلي” بالاعتراف بـ”إسرائيل” كـ”دولة يهودية”، ويضغط على الفلسطينيين بهذا الاتجاه، مخالفًا الدستور الأميركي والقيم الديموقراطية التي من المفترض أنها ترفض العنصرية والتمييز على أساس الدين.
وعليه، فإن الرئيس الأميركي ترامب، يدعو الفلسطينيين من خلال اعتباره “اليهودية كقومية” إلى القبول بالرواية “الإسرائيلية الصهيونية” وبكل الأساطير التي تقوم عليها، والقبول بتلفيقات الحركة الصهيونية، وتصديق لكل ترهاتها، التي تقول بـ”أرض الميعاد”، وإن “فلسطين أرض بلا شعب، لشعبٍ بلا أرض”، وبالتالي في إلغاء التاريخ الوطني والقومي والإسلامي لفلسطين العربية.
وانطلاقا من الوارد أعلاه، وتفاعلاته داخل المجتمع “الإسرائيلي”، فإن مسرى النقاش يحتدم اليوم بين النخب “الإسرائيلية” حول مفهوم “القومية” و”يهودية الدولة”. وهو نقاش لا يتوقف عند السطح السياسي والأمني والفكري عند عموم الأنتلجنسيا اليهودية في فلسطين المحتلة، بل إنه يأخذ بالهبوط إلى القاع الأيديولوجي الأكثر عمقا في مراتبية الفكر الاستراتيجي “الإسرائيلي” الصهيوني. ذلك أن الحديث عن مفهوم “الدولة اليهودية” و”القومية اليهودية”، الذي يأتي في سياق هذا التفكير إنما هو أطروحة أيديولوجية مصطنعة تماما، يُراد فرضها أيضا على مسار عملية التسوية المُختلة أصلا مع الجانب الرسمي الفلسطيني، بل وباتت اشتراطا “إسرائيليا صهيونيا” للوصول إلى اتفاق مع الطرف الفلسطيني وعموم الأطراف العربية المعنية، بما في ذلك الخطة الأخيرة التي جاء بها ويعمل على تسويقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب والطاقم المحيط به، وغالبيتهم منحاز لدول الاحتلال “الإسرائيلي” وعلى رأسهم صهر الرئيس الأميركي لاجارد كوشنير والموفد الخاص للمنطقة.
وعلينا أن نقول: إن الكفاح الفلسطيني في الداخل ضد مشروع “يهودية الدولة” وأكذوبة “القومية اليهودية”، ومجموع القوانين العنصرية، وضد الفاشية في “إسرائيل”، وضد التمييز العنصري ضد أبناء الوطن الأصليين من العرب الفلسطينيين، يتواصل، وسيتوج عاجلا أم آجلا بشطب مشاريع كل القوانين العنصرية جملة وتفصيلا، حيث لم يَعُد أحد في العالم بأسره يقبل بهذا، فمفهوم “الدولة اليهودية” أصبح خلف التاريخ تماما، و”قانون القومية” عنصري، وسافر، هكذا أرادته المؤسسة الصهيونية، مستندة إلى منطق القوة العارية، وليس إلى أي منطق آخر. فقانونا “القومية” و”يهودية الدولة” قانونان مدانان عالميا. ولا يناقش بهما أحد في العالم سوى واشنطن والفريق المتصهين المحيط بالرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ونقول أخيرا، إن “المجتمع الإسرائيلي” يضم بين ثناياه ما يكفيه من المشاكل البنيوية غير المستغربة في كيان قام كطفرة، وأسس على أساس الدين… والدين وحده، حيث التباين وحتى التمييز العرقي بين اليهود الغربيين (الأشكناز)، واليهود الشرقيين (السفارديم). ثم بين يهود أوروبا الشرقية الحديثي القدوم لفلسطين المحتلة، والقدامى منهم، ثم بين كتل الطيف “اللاهوتي” العريض، بدءا من الجماعات المتدينة المُتشددة، وانتهاء بالعلمانيين والملحدين، وصولا لغلاة العنصريين والتوسعيين الذين جددوا قبل أيام رئاسة نتنياهو لحزب الليكود في تعبير صارخ عن انزياحات المجتمع “الإسرائيلي” لصالح قوى اليمين واليمين المتطرف، وغلاته، الذي يديرون دفة الأمور في الدولة الصهيونية.
ترامب يمهد للاعتراف باليهود كـ”قومية” / علي بدوان
9
المقالة السابقة