عروبة الإخباري – “اتكالا منا على الله، وإيمانا منا بحق شعبنا في الكفاح لاسترداد وطنه المغتصب، وإيمانا منا بموقف العربي الثائر من المحيط إلى الخليج، وإيمانا منا بمؤازرة أحرار وشرفاء العالم، لذلك تحركت أجنحة من قواتنا الضاربة في ليلة الجمعة 31/12/1964، 1/1/1965، وقامت بتنفيذ العمليات المطلوبة منها كاملة ضمن الأرض المحتلة، وعادت جميعها إلى معسكراتها سالمة. وإننا لنحذر العدو من القيام بأية إجراءات ضد المدنيين الآمنين العرب أينما كانوا؛ لأن قواتنا سترد على الاعتداء باعتداءات مماثلة، وستعتبر هذه الإجراءات من جرائم الحرب. كما أننا نحذر جميع الدول من التدخل لصالح العدو، وبأي شكل كان، لأن قواتنا سترد على هذا العمل بتعريض مصالح هذه الدول للدمار أينما كانت. عاشت وحدة شعبنا وعاش نضاله لاستعادة كرامته ووطنه”. هذا كان البلاغ العسكري رقم (1) للقيادة العامة لقوات العاصفة.
وكانت الطلقة الأولى لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، حينما تسللت المجموعة الفدائية الأولى لحركة فتح إلى داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، وفجرت نفق عيلبون الذي يتم من خلاله سحب مياه نهر الأردن لإيصالها إلى صحراء النقب، لبناء المستوطنات من أجل إسكان اليهود المهاجرين فيها، وعادت المجموعة الفدائية إلى قواعدها بعد أن قدمت شهيدها الأول أحمد موسى أثناء العملية، لتعمّد بالدم باكورة مقارعتها للاحتلال.
شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات يحيي يوم غد الأربعاء الذكرى الخامسة والخمسين لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة- انطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، التي انطلقت في الفاتح من كانون الثاني/ يناير عام 1965.
خمسة وخمسون عاماً مرت على انطلاقة “فتح”، ومشت فتح طريقا صعبا وطويلا، دفعت على امتداده الدماء والأسرى والمبعدين والبيوت المنسوفة، قافزة فوق العقبات والحواجز، كخيل عربية أصيلة، تسابق الريح إلى القوة والنقاء.
خمسة وخمسون عاماً وفتح تقود شعبها، مستندة إلى الزخم الجماهيري الواسع الذي تمتعت به منذ انطلاقتها، وعمقها العربي والدولي، وعلاقاتها مع أحرار العالم ومناضليه ضد الظلم والاستعمار.
تعثرت فتح في مراحل كثيرة، وفي كل مرة، كان يعيدها ويحييها دماء جديدة قادرة على صنع التغيير، والوقوف بوجه كل من يتآمر عليها، أو يحاول حرف بوصلتها. وظلت بوصلتها القدس وعودة اللاجئين ودولة فلسطينية محررة بسيادة كاملة على الأرض.
منذ 31-12-1964 ورصاص الفتح يدوي، دوّى داخل أراضينا عام 48، ودوّى على الحدود مع أشقائنا العرب، ودوى في عواصم عربية، ومن ينسى أزيزه في بيروت؟!
في مخيماتنا وقرانا ومدننا، في الجبال والسهول والكهوف، تجول رصاص الفتح، وملأ العقول حرية وكرامة، زرعت الفتح في كل مكان من وطننا الحبيب، رصاصة ووردة، كلما رحل مناضل جاء من يخلفه، ليستمر الزرع، بعد أن أعلنت فتح أن شمسها لن تغيب عن فلسطين.
لم تبقَ عاصمة عربية إلا ونفي إليها قائد فتحاوي، وهناك في العواصم الغريبة، كانت رصاصات الغدر والموساد الاسرائيلي، تقتنص اللحظة، لتغتال رجالات فتح، فأصبح لدينا في أكثر من دولة غربية شهيد، في روما وقبرص، في باريس ونيقوسيا، في بروكسل وأثينا.
افتتحت السجون، فكانت أقدام أبناء الفتح السباقة إليها جريا، وهناك في الغرف المعتمة، في الزنازين وتحت الأرض، اشتبك الجسد الفتحاوي المقيد مع قبضة السجان المتوحشة، فاستشهدوا تحت التعذيب، وصمدوا رغم الألم القاهر، وتحملوا عشرات السنين من الغياب عن الأهل والديار.
مرت فتح بالعديد من المراحل المفصلية، معركة الكرامة عام 1968 على الحدود الأردنية الفلسطينية المحتلة، أحداث أيلول الأسود عام 1970 والتي أدت لخروج فتح والمقاومة الفلسطينية إلى لبنان، وفي لبنان بدأت مرحلة جديدة من العمل الفدائي، خاضت خلاله فتح إلى جانب فصائل منظمة التحرير العديد من المعارك البطولية مع قوات الاحتلال الاسرائيلي وعملائه، وتتوج العمل الفدائي بمعركة بيروت والصمود الأسطوري لـ 88 يوما، والذي تبعه انتقال فتح والمنظمة إلى تونس والعديد من العواصم العربية والعالمية.
قادت فتح من جديد النضال الفلسطيني، وكانت الرائدة في قيادة الانتفاضة الأولى 1987، والتي اغتيل على أثرها أحد أهم وأبرز قادتها، الشهيد خليل الوزير “أبو جهاد” في بيته بتونس في نيسان 1988، كما قادت جماهير فتح مسيرات هبة النفق عام 1996، وقادت فتح الانتفاضة الثانية 2000، انتفاضة الأقصى، وكان أول من تم اغتياله خلالها هو الشهيد حسين عبيات، أحد أبرز قادة فتح في بيت لحم، تبعه اغتيال القائد ثابت ثابت في طولكرم. لتكون فتح دائما في مقدمة الشهداء، ومقدمة أهداف الاحتلال للتصفية الجسدية، نظرا لما يعنيه رجال الفتح في أرض الميدان.
وحّدت “فتح” الفلسطينيين حول الهوية والهدف، وارتقت بهم من حالة الشتات والتشتت إلى مستويات الكفاح من أجل تحقيق الأماني بالتحرر من نير الاحتلال وتقرير المصير.
وكانت النشأة عام 1958 على يد مجموعة من الشباب الفلسطيني ممن شاركوا في العمل الفدائي في قطاع غزة في عام 1953، أو في صد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وهم: ياسر عرفات، وخليل الوزير، وعادل عبد الكريم، وعبد الله الدنان، ويوسف عميرة، وتوفيق شديد. التقوا في الكويت، واتفقوا وتعاهدوا على العمل من أجل تحرير فلسطين، فكانت القاعدة التنظيمية الأولى لحركة فتح، وكان لهذه القاعدة امتدادات تنظيمية في الضفة الغربية وغزة ومصر والأردن وسوريا ولبنان والكويت وقطر. وقد بدأت بالتوسع سرا فلم تكن هناك شروط لاكتساب العضوية في التنظيم سوى التوجه نحو فلسطين، والنقاء الأمني والأخلاقي، وعدم التبعية لأي نظام عربي.
وفي حزيران/ يونيو عام 1967 هزمت إسرائيل الجيوش العربية الرسمية واحتلت ما تبقى من الأرض الفلسطينية وأجزاء واسعة من الأراضي العربية المتاخمة، فسارعت حركة ‘فتح’ في أعقاب الهزيمة إلى إعادة تشكيل الخلايا والمجموعات السرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فنفذت أكثر من 130 عملية فدائية خلال الشهر الأول بعد الاحتلال.