ما يجري في لبنان من أحداث يحلو للبعض بتسميتها ثورة وآخرون يسمونها انتفاضة أو حراك أو غيرها من المصطلحات ذات الدلالة على التغيير من خلال قوة الشعب، ولكن وعلى جميع الاحوال ما يجري في لبنان لا يُشبه أبدا ما جرى في بلدان عربية واصطلح (خلافا) على تسميته بالربيع العربي الذي جلب ما جلب لهذه الشعوب الطامحة للعيش بكرامة وحرية ووجدت نفسها بعيدة عما تمنت في أغلب الاحيان، فكلنا يشاهد ما آلت اليه الأوضاع في ليبيا وسوريا واليمن وإلى حد ما في مصر ويمكن القول أن تونس كانت الأقل خسارة من هذا الربيع.
ما يجري في لبنان مختلف ليس فقط في طبيعة الفعل وتنوعه والشعارات المطروحة وطريقة الاحتجاج وخلفيات المحتجين وحجم المشاركة، بل أيضا في طبيعة القوى الداخلية والخارجية وتداخل واختلاف وتناقض المصالح القائمة ليس فقط على أساس طائفي بل أيضا على توازنات لها علاقة بالزواج بين الساسة ورأس المال، العابر للطائفية، من جهة، والتحالفات الاقليمية والدولية مع الطوائف اللبنانية المختلفة من جهة أخرى، وإن طبيعة الشعارات المطروحة “كلن يعني كلن” من المؤكد أنها ستغير المعادلة الداخلية والخارجية في لبنان بشكل جذري لا يخدم مصالح الكثيرين من الساسة وأصحاب الاحتكارات الاقتصادية.
لذلك فإن معظم القوى السياسية حاولت وما زالت تحاول توجيه الشارع بما يخدم مصالحها، واحتواء الشارع والالتفاف على مطالبه لإبقاء الأوضاع القائمة على ما هي عليه ولكن ضمن اصلاحات شكلية تحافظ على المصالح القائمة كما هي، إلا أن هذا الأمر لم ينجح، على الأقل لغاية الآن، وهناك بعض القوى التي حاولت استثمار ما يجري باتجاه تعزيز قوة لبنان الداخلية من خلال بناء دولة مدنية بعيدة عن النظام الطائفي، ولكن بحذر شديد من منطلق أن أي تغيير محتمل قد يقود إلى إغراق لبنان في حرب أهلية جديدة، فهناك الكثير من القوى التي تسعى إلى ذلك من منطلق أن لبنان، رغم صغره وضعفه، رأس حربة في مواجهة المخطط الصهيوني الأمريكي في المنطقة وبخاصة صفقة القرن.
فلبنان وبقوة وإرادة شعبه استطاع أن يُحرر جنوبه المحتل، واستطاع أن يدافع عن حدوده لا بل استطاع أن يلجم “إسرائيل” ويضع قواعد جديدة لتعامل دولة الاحتلال مع لبنان، مما شكل نموذجا عربيا فريدا ووحيدا استطاع ليس فقط الانتصار على “إسرائيل” بل أيضا لجمها وفرض هيبة دولة لبنان عليها.
لبنان نموذج ليس فقط في المقاومة والحفاظ على السلم الأهلي رغم تعدد الطوائف والخلافات السياسية، بل أيضا نموذج في سلمية ثورته ورقيها ورقي جيشه في التعامل مع المواطنين.
لا شك بأن الاتفاق بين معظم القوى اللبنانية على تكليف الدكتور حسان ذياب،- ابن الجامعة الامريكية في بيروت صاحبة التاريخ العريق والتي خرجت الكثير من الشخصيات القيادية في العالم العربي وخصوصا القوميين منهم، والتي اعتز بأنني أحد اعضاء مجلس امنائها منذ ربع قرن تقريبا-، صاحب الخبرة واليد النظيفة والأكاديمي المعروف، بتشكيل حكومة جديدة قد يكون حجر الأساس في إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية اللبنانية بشكل يضمن الحد الأدنى من التوافق السياسي ويجنب لبنان خسارة ما وصل إليه من انجازات على كافة الأصعدة، ويحقق الحد الأدنى من الشعارات التي رفعتها الثورة في السياسية والاقتصاد والاجتماع.
كلنا ثقة بأن الشعب اللبناني وجيشه ورئيسه المكلف سيحملون لبنان إلى بر الامان، وسيخرج لبنان منتصرا قويا، فلبنان القوى هو خط الدفاع الأول عن الأمة العربية من أطماع الحركة الصهيونية ومن يدعمها. وواجب الجميع في لبنان الالتفاف نحو مطالب الشارع اللبناني ليس فقط لحماية لبنان بل أيضا لحماية الشعوب العربية لأن المؤامرة تستهدف الكل العربي وليس لبنان فقط.
لبنان النموذج / منيب رشيد المصري
10
المقالة السابقة