عروبة الإخباري – بدأ المغرب الإجراءات الدستورية لتوسيع حدوده البحرية، لتشمل المياه والجرف القاري للصحراء، التي يؤكد المغرب أنها جزء من أراضيه، في حين تطالب جبهة البوليساريو باستقلالها.
فقد قررت المملكة المغربية بسط سيادتها الكاملة على المجال البحري الممتد من مدينة طنجة شمالاً إلى الكويرة (قرية يعتبرها المغرب تابعة له، ولكن تديرها موريتانيا) في أقصى جنوبي الصحراء، بدلاً من طرفاية، مع تحديد الجرف القاري للبلاد والمنطقة الاقتصادية الخالصة والمياه الإقليمية بناء على اتفاقية قانون البحار.
ووافق اجتماع للجنة الخارجية والدفاع الوطني بمجلس النواب، بالإجماع، على مشروعَي قانونين يهدفان إلى بسط الولاية القانونية للمملكة المغربية على مجالاتها البحرية كافة، بعد عرض قدمه وزير الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة.
وبهذا القرار فإن المغرب يبسط سيادته على الحدود البحرية للصحراء، التي تطالب جبهة البوليساريو بانفصالها عن المملكة وتلقى في ذلك التوجه الانفصالي دعماً جزائرياً، في حين تحاول الأمم المتحدة التوسط لحل الأزمة.
هذه الخطوة التي وصفها وزير الخارجية المغربي بكونها «خياراً استراتيجياً وسيادياً، مبنياً على حقوق المغرب المشروعة»، تأتي بعد شهر واحد فقط من خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الـ44 للمسيرة الخضراء، التي استعادت الصحراء من الاستعمار الإسباني.
وقال العاهل المغربي في الخطاب إن «المسيرة الخضراء مكَّنت المغرب من استرجاع أقاليمه الجنوبية (الصحراء). ومنذ ذلك الوقت، تغيرت خريطة المغرب، ولم نستوعب أن الرباط صارت في أقصى الشمال، وأغادير هي الوسط الحقيقي للبلاد».
هل لترامب علاقة بالموضوع؟
عودة إلى بداية شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، حل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بالمغرب، حيث التقى محمد السادس ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني ونظيره المغربي.
على الرغم من أن زيارة بومبيو الخاطفة، هي الأولى من نوعها، التي يقوم بها مسؤول أمريكي رفيع المستوى للمغرب منذ انتخاب دونالد ترامب سنة 2016، فإن فحوى الزيارة وأسبابها ظلت بعيدة عن التعاطي الإعلامي.
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول في وجدة (شرق البلاد)، تساءل عما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية على علم بقرار المغرب ومنحت الضوء الأخضر للسير قدماً في قراره هذا، لافتاً إلى أنه في ظل غياب أي تصريح رسمي أو بلاغ مشترك، تدخل النقطة في إطار سرية العلاقات الدولية.
قرار تأخُّر دامَ أربعة عقود ونصف العقد
منذ 44 عاماً، تاريخ المسيرة الخضراء التي يعتبر المغاربة أنها حررت الأراضي الجنوبية (الصحراء) من الاحتلال الإسباني، مارس المغرب سيادته الفعلية على أراضيه، ومن ضمنها الصحراء التي يسميها المغرب الأقاليم الجنوبية منذ سيطرة المملكة عليها عام 1975، إلا أن النصوص التشريعية بقيت متقادمة ومتجاوَزة»، وفق وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي المغربي.
ويشير الوزير بذلك إلى أن المغرب لم يرسم حدوده البحرية بناء على قراره اعتبار الصحراء جزءاً من أراضيه.
المحلل المغربي المختص في شؤون الصحراء، عبدالفتاح الفاتحي، أيد ما قاله الوزير، لافتاً إلى أن هذه التشريعات وإن جاءت متأخرة عن تاريخ بسط السيادة الإدارية التاريخية للمغرب على سواحله الجنوبية، فإنها تبقى ضرورية لتوافُق التشريعات البحرية المغربية مع منظومة القانون الدولي، خاصةً قانون البحار.
ويقول الفاتحي لـ «عربي بوست»، إن هذا القانون استدراك لواقعة احتجاز جنوب إفريقيا سفينة مغربية كانت محمَّلة بالفوسفات المستخرج من الصحراء منتصف 2017، بناء على شكوى من البوليساريو، حيث لم يكن المغرب يمتلك أدوات قانونية يحاجج بها على مستوى القانون الدولي، في مواجهة عدم اعترف جنوب إفريقيا بأن الصحراء جزء من المغرب.
من أجل ذلك، فإن من شأن هذا القانون أن يعزز الرهانات المغربية بفتح خطوط بحرية مع عدد من الدول الإفريقية لتعزيز الأنشطة التجارية، خاصة مع انطلاق إنشاء ميناء مدينة الداخلة الكبير (جنوب الصحراء)، والذي سيكون إحدى الدعامات اللوجيستيكية الكبيرة لتنشيط العلاقات التجارية الأوروبية-الإفريقية عبر المملكة المغربية.
الخبير في شؤون الصحراء والقضايا الإفريقية اعتبر أن التصديق على القانونين سيرفع قوة حجيَّة الدفع القانوني للمغرب في إدارة شؤون الصحراء من الجوانب كافة، وسيمنح المغرب فرصة لتقوية دفوعه على مستوى القانون الدولي، لاسيما في ظل وجود ما وصفه ببعض المزايدات السياسية من بعض الدول التي تدعم الخيار الانفصالي.
القرار قد يثير المشاكل مع إسبانيا.. لماذا؟
من الواضح أن المغرب يسعى لتعزيز سيادته الإدارية والقانونية على مستوى جميع مياهه الإقليمية الممتدة على مسافة 200 ميل بحري بعرض الشواطئ المغربية.
ولذا فإن من المنتظر أن تضع المملكة وثائقها لدى الأمم المتحدة، خاصة فيما يتعلق بالجرف القاري.
هذه الخطوة من شأنها أن تثير حفيظة دول الجوار كموريتانيا وإسبانيا.
ولكن المغرب يُبدي انفتاحه على الحوار لحل أي مشكل في التداخل بالتراضي، حسبما يقول أستاذ العلاقات الدولية خالد الشيات.
الشيات يرى أن إسبانيا هي أكثر الدول المعنيَّة بترسيم المغرب حدوده البحرية؛ نظراً إلى أنها تبسط سيطرتها على جزر «الكناري» أو جزر الخالدات، الواقعة مقابل السواحل المغربية وتبعد عنها زهاء 100 كيلومتر.
ويتوقع الأستاذ الجامعي أن يلجأ البلدانِ إلى طرق تفاهم ودية في إطار القوانين الدولية المعمول بها لتحديد المسافات متمثلةً في 200 ميل بحري، أو اللجوء إلى القانون الدولي في حالة عدم التوافق، وهو الأمر الذي يستغرق فترة طويلة.
ما موقف الجزائر من إعادة المغرب ترسيم حدوده البحرية؟
يرى الشيات أن الجزائر غير معنيَّة برغبة المغرب في ترسيم حدوده البحرية بالمطلق، على اعتبار أن كبار مسؤوليها لطالما صرحوا بكونهم ليسوا طرفاً في النزاع القائم بين المغرب و «جبهة البوليساريو» (رغم دعم الجزائر المعروف للبوليساريو).
كما اعتبر أنه لا مجال لأي خلاف مع موريتانيا؛ ذلك أن الحدود بين البلدين محددة ومعروفة سلفاً.
من جانبه يعتقد خالد يايموت، الأستاذ الباحث في العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس في الرباط، أن الجزائر ستكون حذِرةً بخصوص موقفها، لافتاً إلى أن لكل دولة الحق في ترسيم حدودها سواء فيما يتعلق بالمياه الإقليمية أو جرفها القاري، وفق ما يخوله القانون الدولي.
وسيُعرض مشروعا القانونين على مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)؛ للتصديق عليهما، لينشرا بعدها في الجريدة الرسمية ويدخلا حيز التنفيذ.